بقلم الدكتور/ أحمد حسني – مدير مراكز تطوير الأعمال – مبادرة رواد النيل
مقدمة:
نتعرض في هذا المقال إلى أحد مجالات المعرفة الأساسية في بناء الشخصية، ولا تنزعج من عنوان المقال فسنحاول أن ناخذ من هذا المجال ما نحتاجه لكي ننطلق لمقصدنا وهدفنا وهو مفهوم الفلسفة الإدارية، وعرض قيم مستوحاه منها.
ولست فيلسوفا حتى أكتب في الفلسفة، ولكن أحاول أن أستفيد مما أقرأه وأطرح تساؤلا أساسيا بعد الانتهاء من القراءة، كيف أستفيد وأطبق ما قرأته عمليا؟.
ولقد قادتني الصدفة السعيدة لقراءة كتابين في غاية البساطة في التعبير عن الغموض الذي كان لدي حول الفلسفة، ولم أرى أبدا في كلماتهما غموض التعبير كما في كثير من كتب الفلسفة التي حاولت جاهدا قراءتها ولم أخرج منها بشيئ مفيد. ومن هنا نخرج يمبدأ “حقُ بحق” فإذا ما تصدرت للكتابة ” كان لك حق التعبير، وللقارئ عليك حق الوضوح“.
والكتاب الأول كان بعنوان ” فصول في الفلسفة” للفيلسوف جود (1891- 1953)، ترجمة د. عطية محمود هنا، د. ماهر كامل. وهو كتاب يجمع عدد من فصول أخذت من ثلاث مؤلفات للفيلسوف “جود”، الأول: (The Teach yourself Books,1944)، والثاني: Guide to Philosophy,1994)، والثالث: Introguction to Modern Philosophy, 1925).
أما الكتاب الثاني بعنوان “المشكلة الأخلاقية والفلاسفة” للفيلسوف ” أندريه كريسون” ترجمة وتعليق الإمام الأكبر الراحل: د. عبد الحليم محمود. ويهدف الكتاب إلى تقريب مفهوم الفلسفة والأخلاق وتبسيط بعض المبادئ التي ترتكز عليها قديما وحديثا.
وفي الحقيقة أنني وبعد الانتهاء من القراءة، وجدت نفسي في خضم خليط من المدارس الفكرية، وأن الأمر يحتاج مني جهدا كبير وبناء منهجي محكم حتى أصل إلى مقصدي، لاستخلاص المصطلحات والمعاني الأصولية والمداخل التأسيسية لمعنى الفلسفة نظريا وعمليا، ثم ربط ذلك بحقيقة الفلسفة الإدارية موضوع المقال، وكيف يمكن بناء فلسفة إدارية مصرية لها سماتها الخاصة، واستخلاص“قيم مستوحاه من الفلسفة الإدارية” مثل: سلوك المواطنة التنظيمية، العدالة التنظيمية، الالتزام التنظيمي، دافعية الانجاز، الانتماء التنظيمي، فرق العمل المدارة ذاتيا، التقييم الذاتي، تمكين العاملين وتحرير طاقاتهم، مبدأ التمايز والتكامل في العمل، مبدأ التولي والتخلي، التعلم المستمر والتعلم التنظيمي، التعامل مع الثقافات المتعددة، البرمجة اللغوية العصبية، بناء رأس المال الفكري.
“ولما لا” جملة بسيطة، ولكنها مؤلمة أن يكون مستعصيا على مجتمعنا المصري، أن يكون له فلسفة إدارية ذات قيم تجعل من شركاتنا ومؤسسات كيانات أنشأت لتبقى على مر العصور والأزمان، كما هو الحال في شركات عالمية أنشأت منذا أكثر من مائة وخمسون عاما توفى عنها مؤسسوها ولازالت باقية بقيمها الجوهرية، وغاياتها النبيلة.
والحقيقة أن ميدان الفلسفة يتسع، حيث تتجمع المعلومات من مصادر عديدة كعلم الأخلاق والمنطق والتاريخ والدين والفن إلى جانب العلوم البحتة. لذا يمكن أن نصفها بأنها العلم الوحيد الذي يهتم بكل ما هو موجود لمجرد أنه موجود سواء تعلق بمسائل نظرية أو عملية، وليس فيها أي قيود على مادتها، وعلينا أن نفرق هنا بين مجالين من مجالات المعرفة:
- مجال المعرفة الحسية: آلات المعرفة فيه: الحواس، ومــوضــــــــوعه : المـــــادة، والعــقل يجــول فيــه مستنبطا ومستنتجا، ويستخرج قوانينه وقواعده، فتكون الحضارة، ويكون العلم بمفهومه الغربي الحديث أو بمفهومه الكوني المادي: طبيعة وكيمياء وفلكا.
- مجال المعرفة الروحية والأخلاقية: ومصدره الوحي ينزله الله على ألسنة من يصطفيهم لحمل الرسالة من خلقه.
إذا علينا أن ننتفض ونجلي الصدأ ونعلي الهمم ونشحذ المنشار لنجول في مجال المعرفة الحسية متسلحين بما لدينا في مجال المعرفة الروحية والأخلاقية.
العامل الشخصي في الفلسفة:
السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما هو الأساس الذي يحدد اختيارات الفيلسوف للميدان الذي يعمل فيه؟ من الواضح أنه يتخير ما يعتقد أنه مهم أو أنه يرضي لديه عاملي الميل أو الشعور بالأهمية، وهما عاملان شخصيان، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فالفسفة لا تهتم بالحقائق قدر اهتماهما بمعاني هذه الحقائق ودلالاتها. والمعاني هي ما يجده “الشخص” في شيئ، والدلالة هي ما يعلقه “الشخص” على المعنى. فهناك شخص يرى في الكون غرضا أو خطة، بينما يرى آخر فوضى شاملة وحقائق ليس بين بعضها والآخر أي رباط. وهناك شخص يفسر الظواهر تفسيرا ميكانيكيا، بينما يفسر آخر نفس هذه الظواهر تفسيرا دينيا.
وما دام العامل الشخصي محددا لاختيارات ميدان الفلسفة بالنسبة للفيلسوف، فما تأثير وقع أي فلسفة على القارئ نفسه؟ ما من شك في أنه لكي يقبل القارئ فلسفة معينة ويعتنقها لا يقتصر الأمر على قدرته العقلية بل لا بد أن تتدخل الحالة المزاجية والتي هي أحد نتاج الفلسفة. وهناك نوعين من العقل:
العقل الصلب: وهم أشخاص استعدادهم نحو الصلابة واضح فلديهم الاستعدادات لقبول واعتناق الفلسفات التي تنطبع بطابع العنف والصرامة. ومن أمثلتهم أولئك الذين يؤمنون بالمذهب التجريبي والمذهب الحسي والماديين والمتشائمين والملحدين والقدريين والقائلين بمبدأ التعدد والشكاك.
العقل اللين: وهم أميل لاعتناق الفلسفات اللينة، ومن أمثلتهم المنطقيون وأصحاب المذهب العقلي والمثاليون والمتفائلون والمتدينون والمؤمنون بحرية الارادة.
معنى كلمة ينبغي:
ما سبق يقودنا للحديث عن لفظة “ينبغي”، وهو تعبير يشير إلى الحس الخلقي في الانسان في الاختيار بين شيئان متعارضان وهما الرغبة في عمل شيئ ما، وشعوره بوجود شيئ آخر هو ما ينبغي أن يعمله. ومحددات هذا الاختيار عوامل كثيرة منها الطريقة التي ربي بها هذا الانسان، والخبرات السابقة التي رآها هذا الشخص في المنزل، والرفقة التي عاش بينها، ومستوى التعليم والقيم والأخلاق، والنوع والطبقة الاجتماعية، وبالاختصار جميع العوامل التي تجعله يقول ” أجل” للرغبة أو لما ينبغي أن أفعله.
وعند تطبيق لفظة “ينبغي” على السلوك الانساني نجد أنها تتضمن الاستطاعة، فطالما أن لديه حاسة الالتزام الخلقي ويستطيع أن يدرك طريق الواجب ولكونه حرا في القيام بواجبه، فإنه يستطيع أن يهرب من مؤثرات الرغبة ويسلك الطريق الذي يجب أن يسلكه. والشرط الوحيد هنا أنك تستطيع أن تفعل الواجب، فإذا لم تكن تستطيع إلى ذلك سبيلا كان لغوا لا معنى له. ويحدد (فرانشيسكو خافيير كاريللو، 2004، ص 368) في كتابه مدن المعرفة، المعايير المستخدمة لتحديد مستويات مهارات الفرد في أداء الأعمال، ويمكن تلخيصها في الجدول التالي:
ويحدد (فرانشيسكو خافيير كاريللو) في كتابه مدن المعرفة، المعايير المستخدمة لتحديد مستويات مهارات الفرد في أداء الأعمال، ويمكن تلخيصها في الجدول التالي:
ويعرض“ستيفن كوفي” في كتابه العادة الثامنة من “الفعالية إلى العظمة”، دليل عملي لتطوير قدرات الانسان الأربع تم تلخيصها بالجدول التالي:
الخلاصة:
- علينا أن نحدد ما يجب عمله وكيف نؤدي هذا العمل متسلحين بالالتزام الأخلاقي والمعرفة المتخصصة في مجال العمل الذي سنقوم به، عندئذ ستشعر أن عملك هذا سيكون سارا عاجلا أو آجلا وستقتنع أنه ينبغي القيام بهذا العمل وستشعر بالذنب الخلقي إن لم تفعله.
- علينا نبذ المشاعر التي تؤدي إلى المشكلة الأخلاقية مثل الأنانية والنزعة الفردية، وعدم المشاركة الوجدانية، وعدم تأنيب الضمير، وغياب الروح الرياضية، والاستئثار وعدم الايثار، تجنب كل ذلك بلاشك سيؤسس الى أن تكون المؤسسة وطنا وسلوكك سلوك المواطنة التنظيمية.
- ويمكن استخلاص مدخل لتأسيس الفلسفة الادارية من خلال تنمية ثلاثة أبعاد رئيسية ستعكس بترسيخها قيم وسلوك للعنصر البشري تدفعه لأداء الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة من أول مرة وفي كل مرة، هذه الأبعاد تتمثل في: أبعاد العدالة التنظيمية، أبعاد إدارة المعرفة، أبعاد رأس المال الفكري، ويمكن استعراضها بالنموذج المقترح التالي: