الأستاذ/ هشام حمزة – باحث مصرفي
ماذا لو كان أحد المصانع يستخدم كهرباء أقل من غيره من المصانع المثيلة له في الإنتاج؟ او أن مخلفات أحد خطوط الانتاج بالمصنع يتم استخدامها كمدخلات في خط إنتاج آخر بنفس المصنع وبنفس الكفاءة؟ أو أن المصنع يستخدم أسلوب انتاجي يحد من حجم الفاقد من الانتاج النهائي الى اقل حد ممكن؟ أسئلة مختلفة واجابتها واحدة وهي ان هذا المصنع يدعم الاقتصاد الأخضر.
الاقتصاد الأخضر هو ذلك النوع من الاستثمارات التي تستخدم أساليب إنتاجيه او أدوات تحد من الاستهلاك المفرط للطاقة ومن تلوث البيئة مع زيادة كفاءه استخدام الموارد الطبيعية بهدف تحسين رفاهية الانسان، كما يرتبط هذا المصطلح بعدة مصطلحات أخري مثل الاستثمار الأخضر والتمويل المستدام، ومن أهم مجالات هذا النوع من الاقتصاد:
- التوسع في استخدامات الطاقة المتجددة المتولدة من الطاقة النظيفة كالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح بالإضافة إلى الاستغلال الكفء للموارد الحالية المتاحة.
- إدارة النفايات والتخلص منها بشكل آمن.
- قضايا معالجة المياه وإعادة استخدام مياه الصرف.
- الإنتاج النظيف والذي يهتم في مجمله بصحة العنصر البشري.
- الحد من التلوث الناتج عن العملية الإنتاجية عن طريق خفض الانبعاثات الضارة بالصحة.
- النقل المستدام دون الاضرار بالصحة والنظام البيئي والمسئولية تجاه الأجيال القادمة، مثال ذلك التوسع في استخدامات السيارات الكهربائية.
- تدوير المخلفات من مخلفات صناعية او زراعية او بلاستيك لإنتاج منتجات اخري.
- الزراعة المستدامة عن طريق دعم سبل المعيشة في الريف ودمج سياسات الحد من الفقر في خطط التنمية، كذلك الحد من استخدامات المبيدات الكيماوية.
- الانشاءات أو المباني الخضراء، وهي ذلك النوع من الانشاءات التي يتم فيها مراعاة الحفاظ على المياه واستهلاك الطاقة الكهربية والحد من التلوث.
وقد تزايد الاهتمام بقضايا الاقتصاد الأخضر خلال الآونة الاخيرة ولم يعد رفاهية بل أصبح ضرورة ملحة للدول الفقيرة والغنية على حد سواء نتيجة:
- التدهور البيئي والذي عجزت عشرات الاتفاقيات والمعاهدات الدولية عن الحد منه.
- المخاطر الصحية للبشر مع تزايد التلوث وظهور أمراض جديدة.
- الاستنزاف المفرط لعناصر الإنتاج من أرض وموارد طبيعية اخري.
أما عن الأهداف الأساسية نحو التوجه إلى الاقتصاد الأخضر:
- تنمية المورد البشري والعمل على زيادة رفاهيته هو الهدف الأساسي للتوجه نحو استثمارات خضراء.
- تغيير الأسلوب الذي تنتهجه المنظمات والمصانع والمؤسسات في التعامل مع الموارد الطبيعية.
كما يحقق التوجه نحو الاقتصاد الأخضر عدداً من المزايا أهمها التالي:
- الحد من الفقر خاصة بين سكان المناطق الريفية مع تحسين مستويات المعيشة في المناطق الأقل دخلا.
- إتاحة فرص عمل لائقة ودعم المساواة الاجتماعية.
- إنهاء فقر الطاقة.
- دعم الاقتصاد المحلي.
- تحسين كفاءة استغلال الموارد والطاقة.
- تأمين أفضل للأمن الغذائي العالمي.
بالنسبة للأطراف المعنية بتحقيق النمو الأخضر فهي كالتالي:
- واضعي السياسات.
- الشركات الصغيرة والمتوسطة.
- المؤسسات المالية.
- صناديق التنمية والاستثمار.
- البنوك.
- رواد الاعمال.
- المؤسسات الصديقة للبيئة.
جهود مصر نحو دعم الاقتصاد الأخضر:
- في سبتمبر 2020 أصدرت مصر أول سندات خضراء بالأسواق العالمية بقيمة 750 مليون دولار لتمويل المشروعات الخضراء، ليكون لها السبق بين دول المنطقة نحو التوجه إلى استثمارات خضراء، علما بأن السندات تهدف إلى تمويل المشروعات الصديقة للبيئة وتشجيع الاستثمارات النظيفة مثل مشروعات الطاقة المتجددة، مشروعات التكيف مع التغيرات المناخية، وسائل النقل النظيف، التحكم في التلوث ومنعه ومشروعات المباني الخضراء.
- بلغت قيمة محفظة مصر من المشروعات الخضراء أكثر من 2 مليار دولار وهي في تزايد.
- قرار الحكومة أن تكون 50% من معايير خطة الدولة تتوافق مع المعايير البيئية حتى تصل 50% من مشروعات الوزارات المختلفة لمشروعات خضراء خلال الفترة المقبلة.
- زيادة الاستثمارات العامة الموجهة للمشروعات الخضراء، من 15% في خطة العام (20/2021)، إلى 30% في خطة العام المالي (21/2022)
بعض من النماذج المصرية الناجحة في مجال التحول نحو الاقتصاد الأخضر:
- إحدى الشركات الرائدة في مجال صناعة الأسمدة قامت بوضع خطة عمل تنافسية شملت زيادة الطاقة الإنتاجية والحد من الاعتماد على شبكة إمدادات الكهرباء، وذلك عن طريق استغلال الحرارة المهدرة الناتجة عن عملية الإنتاج اليومي للأسمدة، إذ قامت الشركة بتحويل تلك الطاقة المهدرة إلى بخار يتم اطلاقة في غلاية يتم تحويلها فيما بعد إلى طاقة كهربية. مثال آخر، إحدى الشركات الرائدة في صناعة الزجاج في مصر، استطاعت الشركة استبدال فرنها القديم بنظام جديد يوفر 67٪ من الطاقة المطلوبة للتشغيل، مما أدي إلى تحقيق وفورات إجمالية في طاقة المصنع بنحو 43.5٪، كما مهدت جودة منتجاتها الطريق إلى اختراق الأسواق في أوروبا وأفريقيا وآسيا.
ويتضح مما سبق أن الاقتصاد الأخضر أصبح ضرورة نتيجة تقديره لرأس المال الطبيعي والبشري والاستثمار فيه، بالإضافة الى الحد من الفقر وزيادة معدلات التنمية، مع مراعاة أن الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر يحتاج إلى مجموعة من العناصر الداعمة أهمها التالي:
- تضافر جهود الدولة مع المنظمات الإنمائية العالمية والمنظمات المحلية والمجتمع المدني وواضعي السياسات وكبري الشركات من أجل تسهيل المرور والانتقال إلى اقتصاد أخضر.
- خلق بيئة تفاعلية للشركات الصغيرة والمتوسطة لتسويق منتجاتها والتواصل مع الجهات التمويلية ودعمها لزيادة فرص النمو.
- إعادة النظر في السياسـات الاقتصادية بما يحقق التحول إلى أنماط مسـتدامة في الإنتاج والاستهلاك والاستثمار لتتناسـب مـع تنفيـذ البــرامج ذات الأولوية مثـل تــرشيد اسـتخدام الميـاه ورفـع كفـاءة مصـادر الطاقـة والتحـول للطاقـة النظيفـة والنقـل المستدام.
- تعزيـز الابتكار في مجال التقنية الخضراء من خلال بـرامج التعليم والبحث والتطويـر.
- تطوير المعارف والمهارات اللازمة نحو التوجه إلى الاستثمارات الخضراء عن طريق التدريب.
- اصلاح دعم الطاقة عن طريق الحد من الإنفاق الحكومي في المجالات التي تستنفد الموارد الطبيعية.
- معالجة قضايا التمويل اللازمة للتحول نحو الاقتصاد الأخضر لإعطاء الدفعة اللازمة نحو تلك القضية، ويمكن أن يتم ذلك عن طريق مؤسسات التمويل الإنمائية كالبنك الدولي.