الدكتور/ شريف عز الدين- استشاري تطوير أفراد
عندما يتعلق الأمر بالتعلم، فليست هناك من طريقة وحيدة تناسب الجميع، ربما تكونوا قد لاحظتم أن بعض الأشخاص يصابون بالملل أثناء الدورات التدريبية الطويلة بينما يتألق البعض الآخر بملاحظاتهم وأسئلتهم الشيقة، أو لاحظتم أن بعض الأشخاص يُخفِقون في الاختبارات الكتابية لكنهم يحققون نتائج جيدة في عمليات المحاكاة العملية أو أثناء ممارسة عملهم اليومي، أو أن البعض منهم لن يواجهوا أي مشكلة في استيعاب المفاهيم النظرية لكنهم يواجهون صعوبات في التطبيقات العملية.
أنظر إلى نفسك، ربما تجد أنّه من الصعب عليك استيعاب معلومات جديدة من خلال الاستماع فقط، لكن بمجرّد أن تبدأ بالتطبيق العملي لتلك المعلومات، فإنها ترسخ في ذهنك بشكل أسرع. ربما تجد أنك تميل إلى الاستماع للكتب الصوتية، لكنك لا تحتمل قراءة كتاب مطبوع.
ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أن الأشخاص المختلفون يكتسبون الخبرات والمعارف بشكل مختلف ولكل منهم نمط التعلم الخاص به، لذا إذا ما رغبت أي مؤسسة في إتاحة الفرصة لموظفيها للتعلم وجب عليها أخذ أنماط التعلم المختلفة في الاعتبار.
ما هي أنماط التعلم المختلفة؟
بدأت الفكرة في الظهور في السبعينيات، عندما قام نيل دي فليمنج، مُعَلِّم نيوزيلاندي قام بالتدريس في الجامعات ومراكز إعداد المعلمين والمدارس الثانوية. قبل العمل لمدة أحد عشر عامًا في تطوير أعضاء هيئة التدريس بجامعة لينكولن، بتصميم أول استبيان للمساعدة في تحديد أنواع المتعلمين في عام 1987، الذي أصبح نواة لنموذج “VARK” وهو اختصار لأنماط التعلم الأربعة الأساسية؛ البصري “Visual” والسمعي “Auditory” والمقروء/المكتوب “Reading/Writing” والحركي “Kinesthetic” .
المُتَعَلِّم البصري هو الذي يتعلم من خلال مشاهدة المحتوى المرئي مثل مقاطع الفيديو، والمُتَعَلِّم السمعي هو الذي يتعلم من خلال الاستماع (محاضرات، كتب صوتية…إلخ)، والمُتَعَلِّم القارئ/الكاتب هو الذي يحتاج إلى قراءة النص لاستيعاب المعلومات، أما المُتَعَلِّم الحركي فهو الذي يتعلم بشكل أفضل من خلال الممارسة والتدريب العملي.
وعلى الرغم من أن أنماط التعلم المختلفة يمكن أن تخبرنا الكثير عن كيفية تواصل الأشخاص واستيعابهم للمعلومات، إلا أنها ليست ثابتة ومن الممكن أن تتطور أو تتغير مع التقدم في السن أو تطور الشخص نفسه، كما أنها من الممكن أن تتغير إذا تغير السياق. لكن معرفة دور أنماط التعلم المختلفة في جذب المتعلمين لعملية التعلم أو فصلهم عنها يعتبر أمراً جوهرياً لتصميم برنامج تدريبي ناجح يحقق أعلى مردود.
أنماط التعلم وكيفية استيعابها في المؤسسات المختلفة
ما هي احتياجات كل من هذه الأنواع المختلفة من المتعلمين وكيف يمكن استيعابهم لضمان كفاءة عملية التعلم:
المُتَعَلِّم البصري: عادة ما ينسى هذا النوع من الأشخاص ما قرأوه عند عدم وجود صور أو رسوم بيانية، كما من المحتمل أن يشعروا بالملل ويسرحون بعيداً خلال الاجتماعات الطويلة عبر الإنترنت التي تفتقر إلى الإثارة. للحفاظ على تفاعل أصحاب هذا النمط يُعَد محتوى الفيديو أمرًا أساسيًا لذا تناسبهم أكثر جلسات تعلم المصغر باستخدام مقاطع الفيديو والرسوم البيانية الشيقة التي تُمَكِّنهم من فهم النقاط الرئيسية، واستيعابها وتُسَهِّل عليهم تذكرها، وعلى الرغم من ذلك، ينبغي الابتعاد عن مقاطع الفيديو التي تَعرِض شخصًا يتحدث، فهي لا تتناسب مع أصحاب هذا النمط.
المُتَعَلِّم السمعي: بالنسبة لأصحاب هذا النمط، تعتبر أفضل طريقة للاحتفاظ بالمعلومات هي سماع الأصوات. عادة ما يجد المتعلمون السمعيون الاجتماعات عبر الإنترنت التي يقودها مُحاضِر أو مُدَرِّب جذابة، خاصة إذا كان من يقدم المحتوى مشهوراً واثقًا مما يقدمه كما تساعدهم المفردات الغنية والجناس والقوافي في عملية التعلم. لاستيعاب المتعلمين السمعيين، لا تحتاج الجلسات التي يقودها المعلم إلى الكثير من الجهد والتفكير، كما يمكن الاكتفاء بمقطع فيديو مُسَجَّل يَعرِض شخصًا يتحدث يمنح هذه الفئة من المتعلمين الصوت البشري الذي يحتاجون إليه ويُتيح لهم فرصة مشاهدتها عدة مرات حسب حاجتهم أما بالنسبة للمصادر الإضافية من الممكن اللجوء للكتب الصوتية.
المُتَعَلِّم القارئ/الكاتب: يُفَضِّل أصحاب هذا النمط التعلم من خلال القراءة إذ غالبًا ما يشعرون بالإرهاق عندما يتعين عليهم مشاهدة مقاطع الفيديو أو الاستماع إلى محاضرات أو كتب صوتية. يُفَضِّل هؤلاء قراءة النصوص لذا حتى إذا كنت تعرض مقطع فيديو ينبغي عليك تضمين النصوص حتى يتمكنوا من قراءة النص بسهولة والتركيز على النقاط الأساسية.
المُتَعَلِّم الحركي: يعاني أصحاب هذا النمط كثيراً مع طرق التعلم السلبي. يحتاج هذا النوع من المتعلمين إلى المشاركة الجسدية أثناء التعلم إذ يجب أن يكونوا قادرين على الإبداع والممارسة والتعاون، ويتألقون في بيئات “التعلم بالممارسة.”. لاستيعاب أصحاب هذا النمط وتضمينهم في عملية التعلم بكفاءة لا بُد من استخدام أساليب المحاكاة مثل الحوار وسيناريوهات لعب الأدوار في البرنامج التدريبي، كما ينبغي أيضاً تعزيز التعاون بينهم من خلال تكليفهم بمشروعات جماعية وتشجيعهم على طرح الأسئلة أثناء الجلسات التي يقودها مُدَرِّب أو مُحاضِر.
إن تلبية احتياجات أصحاب أنماط التعلم الأربعة المختلفة يساعد في النهاية على ضمان نجاح برامج تدريب الموظفين. قد يبدو الأمر وكأنه ضرب من ضروب الخيال نظرًا للاختلافات بينهم، لكن الحل بسيط، يكمن الحل في:
- استخدام أسلوب التعلم المشترك الذي يعتمد على الجمع بين طرق التعلم لكل فئة من الفئات الأربع. على سبيل المثال، من الممكن أن تتضمن الدورة التدريبية مُحاضَرة مُسَجَّلة متاح بها نص مقروء، ومقاطع فيديو قصيرة بها ترجمة مكتوبة ورسوم بيانية ومواد للقراءة ومحاكاة ومهام تعاونية. وبهذه الطريقة تُمكِن تلبية احتياجات الفئات المختلفة من المتعلمين بعدالة.
- التركيز على إشراك المُتَعَلِّم، فالأشخاص يستخدمون حواسهم للتفاعل مع محتوى التدريب وكلما زاد تفاعلهم زاد تعلمهم. لذا ينبغي التأكد من أن محتوى وأسلوب التدريب يمنح المتعلمين فرصة للتعبير عن أنفسهم والمشاركة بفعالية؛ من الممكن إضافة اختبارات أو تمارين قصيرة تتضمن الكتابة أو تسجيل فيديو أو مقطع صوتي لأداء مهمة ما وكذا إتاحة حلقات المناقشة التي تُتيح للمتعلمين والمعلمين التواصل والتفاعل.
- تحقيق التوازن بين التعلم الذاتي والمُنَظَّم، فمع حاجة المؤسسات المتزايدة لاتباع المزيد من المرونة في الحضور والانصراف والموازنة بين العمل من المكتب والعمل عن بُعد وفي نفس الوقت الحاجة لوجود هيكل محدد عندما يتعلق الأمر بالتعلم، يساعد تقديم مزيج من المحتوى التدريبي المُقيَّد والمَرِن في تخفيف الضغط على الموظفين المثقلين بالفعل بعبء العمل، إذ يتيح لهم المحتوى المَرِن الفرصة لحضور الدورات والاستماع للمادة الصوتية مرة بعد مرة، مما يساعد على زيادة فعالية عملية التعلم.
في نهاية المطاف، ينبغي أن تكون عملية التعلم ومحتوى التعلم متاحًا للجميع على اختلاف فئاتهم وأنماط تعلمهم، وينبغي على جميع المؤسسات على اختلاف أنواعها النظر إلى عملية التعلم على أنها أحد الأعمدة الأساسية التي تنبني عليها قصة نجاحها. ومثلها مثل جميع المبادرات والمستهدفات والأنظمة والخطط لا بد من أن تبني المؤسسة نظام التعلم الخاص بها على معلومات، المعلومات التي تسلط الضوء على ما يحتاجه الموظفون من تطوير، وعلى ما استفادوه أو تعلموه بعد الدورات التدريبية وكَم المعلومات التي يحصلون عليها ويطبقونها في عملهم ومدى التطور الذي نتج عن تلك الدورات التدريبية. بالإضافة إلى ذلك يجب على المؤسسات إيجاد سُبُل للوصول إلى الأدوات المناسبة لبناء عناصر التعلُّم التي تستوعب أنماط التعلم على اختلافها. بمعنى آخر، لا بُد لنظام أو هيكل التعلم الخاص بالمؤسسة أن يبدأ عند احتياجات أفرادها، وينتهي عند تلبية تلك الاحتياجات التي تنعكس انعكاسًا كبيرًا على أداء الموظفين وتطورهم وحالتهم المعنوية، وبالتالي تَخُط سطور قصة نجاح المؤسسة.