
وليد الشربيني – خبير مصرفي ومحاضر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والمعهد المصرفي المصري
يتطلع قادة القطاع المالي والمصرفي في دول منطقة الشرق الأوسط إلى مستقبل مليء بالفرص التي يمكن أن تعيد تشكيل المشهد المالي، مع إدراكهم التام للمخاطر المحتملة التي قد تعترض طريق النمو. يرى المديرون التنفيذيون أن السنوات القادمة حتى 2030 ستحمل في طياتها فرصًا ذهبية للنمو والابتكار، مدفوعة بالتحول الرقمي الذي يعد المحرك الأبرز. تستثمر البنوك بكثافة في الذكاء الاصطناعي، تعلم الآلة، البيانات الضخمة، والبلوك تشين لتقديم خدمات مصرفية أكثر كفاءة، تخصيصًا، وسرعة. هذا يشمل تطوير تطبيقات مصرفية متطورة، حلول دفع رقمية مبتكرة، وخدمات استشارية مالية قائمة على البيانات، بهدف تحسين تجربة العملاء بشكل جذري، وتقليل التكاليف التشغيلية، وفتح قنوات جديدة للإيرادات.
الفرصة الكبرى الأخرى تكمن في الشمول المالي والوصول إلى شرائح جديدة من السكان. لا يزال هناك جزء كبير من المجتمع في المنطقة لا يحصل على خدمات مصرفية كافية، ويرى القادة فرصة هائلة في سد هذه الفجوة من خلال الحلول الرقمية، الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، وتقديم منتجات مصممة خصيصًا لتلبية احتياجات الأفراد والشركات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل عصب الاقتصادات النامية. كما يتزايد الوعي بأهمية الاستدامة والتمويل الأخضر (ESG)، وتلتزم دول المنطقة بأهداف طموحة في هذا المجال. يرى قادة المصارف فرصة كبيرة في تطوير التمويل الأخضر والمستدام، مثل السندات الخضراء والقروض المرتبطة بالاستدامة، لتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، البنية التحتية الخضراء، والمبادرات البيئية والاجتماعية، وهو ما لا يعزز السمعة المؤسسية فحسب، بل يفتح أسواقًا جديدة للاستثمار والنمو.
في سياق متصل، تسعى دول الخليج بشكل خاص لتنويع اقتصاداتها بعيدًا عن النفط، من خلال إطلاق مشاريع ضخمة في البنية التحتية، السياحة، التكنولوجيا، والصناعات الجديدة. تمثل هذه المشاريع فرصًا هائلة للبنوك لتمويلها وتقديم الخدمات المصرفية للشركات العاملة بها، مما يدفع عجلة النمو الاقتصادي ويخلق بيئة أعمال ديناميكية. بالإضافة إلى ذلك، بدلاً من اعتبارها تهديدًا خالصًا، يرى العديد من القادة فرصة في الشراكات الاستراتيجية أو الاستحواذ على شركات التكنولوجيا المالية (FinTech) الناشئة. هذا يسمح للبنوك بالاستفادة من الابتكار السريع والمرونة التي تتمتع بها هذه الشركات، ودمج حلولها المتطورة ضمن عروضها التقليدية.
يضاف إلى ذلك، يمثل تطور العنصر البشري في المنطقة فرصة نمو لا تقدر بثمن. فالتعداد السكاني المتزايد، خاصة الشريحة الشابة والمتعلمة، يمثل قوة ديموغرافية هائلة. مع تحسن مستويات التعليم والثقافة وتزايد الدخل المتاح، يرتفع مستوى الوعي المالي وتتزايد الحاجة إلى خدمات مصرفية متطورة، مما يدعم نمو القطاع. علاوة على ذلك، بدأت دول المنطقة تستقطب اهتمامًا استثماريًا عالميًا متزايدًا. في ظل التحديات القاسية التي تواجهها الدول الغربية المتقدمة، مثل ارتفاع تكاليف التشغيل، وتشبع الأسواق، واللوائح التنظيمية المعقدة، أصبح الشرق الأوسط وجهة جاذبة للاستثمار الأجنبي المباشر. توفر المنطقة بيئة أعمال أكثر مرونة، وتكاليف تشغيل تنافسية، وفرص نمو غير مستغلة، مما يدفع رؤوس الأموال الغربية للبحث عن موطئ قدم هنا، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على تدفقات الأموال ويعزز دور القطاع المصرفي.
على الرغم من هذه الفرص الواعدة، يدرك المديرون التنفيذيون أن طريق النمو ليس خاليًا من العوائق. هناك عدة مخاطر رئيسية يجب إدارتها بفعالية. تظل التوترات الجيوسياسية والصراعات الإقليمية تحديًا كبيرًا، حيث يمكن أن تؤثر على الاستقرار وتثبط الاستثمار. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال تقلب أسعار النفط يمثل مصدر قلق، فتباطؤ النمو العالمي أو ركود محتمل يمكن أن يؤثر سلبًا على الإيرادات الحكومية وينعكس على السيولة والإنفاق. كما أن الضغوط التضخمية وارتفاع أسعار الفائدة يمكن أن تزيد من تكلفة الاقتراض وتؤثر على جودة الأصول. مع تزايد الاعتماد على الأنظمة الرقمية، تتصاعد الهجمات السيبرانية لتصبح واحدة من أكبر المخاطر، فخرق البيانات أو تعطيل الأنظمة يمكن أن يؤدي إلى خسائر مالية فادحة، فقدان ثقة العملاء، وأضرار جسيمة بالسمعة. كما أن سرعة التطور التكنولوجي تتطلب استثمارات مستمرة لمواكبتها، ونقص الكفاءات المتخصصة في هذا المجال يمثل تحديًا.
يزداد المشهد التنظيمي تعقيدًا، خاصة فيما يتعلق بـمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تفرض الهيئات التنظيمية معايير أكثر صرامة، مما يتطلب استثمارات كبيرة في الأنظمة والكوادر البشرية لضمان الامتثال وتجنب العقوبات المالية والتشهير بالسمعة. ولا يقتصر الأمر على فرص التمويل الأخضر فحسب، بل هناك مخاطر كامنة في تأثيرات التغير المناخي المادية على الأصول المادية للمؤسسات والشركات التي تمولها، بالإضافة إلى مخاطر الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون، والتي قد تؤثر على قيمة استثمارات البنوك في القطاعات التقليدية عالية الانبعاثات. عدم تكييف نماذج الأعمال مع هذا الانتقال يمكن أن يشكل عبئًا ماليًا. أخيرًا، لم تعد المنافسة محصورة بين البنوك التقليدية فحسب، بل امتدت لتشمل شركات التكنولوجيا المالية، عمالقة التكنولوجيا العالميين، وحتى بعض تجار التجزئة، وهذا الضغط التنافسي يتطلب من البنوك الابتكار المستمر والتكيف للبقاء في المقدمة.
لتحويل الفرص إلى واقع والتعامل مع المخاطر بفعالية، يعتمد القادة المصرفيون على استراتيجيات متعددة الأوجه تشمل التحول الرقمي الشامل من خلال الاستثمار المستمر في أحدث التقنيات لتقديم خدمات لا مركزية، واستخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل المخاطر وتحسين خدمة العملاء، وتطوير البنية التحتية الرقمية القوية والآمنة. كما تركز الاستراتيجيات على العميل من خلال تصميم منتجات وخدمات مخصصة تلبي احتياجات العملاء المتغيرة، وتحسين تجربتهم الرقمية بشكل مستمر لتعزيز الولاء. تتضمن هذه الاستراتيجيات أيضًا تعزيز المرونة وإدارة المخاطر عبر بناء قدرات قوية لإدارة المخاطر السيبرانية والجيوسياسية والاقتصادية، وتنويع المحافظ الاستثمارية، وتطوير خطط استمرارية الأعمال الشاملة، مع الالتزام التام بالاستدامة ودمج معايير ESG في جميع جوانب العمليات المصرفية، من الإقراض إلى الاستثمار، وتطوير الخبرة في التمويل الأخضر. ولا يغفل القادة أهمية تنمية رأس المال البشري من خلال الاستثمار في تدريب وتطوير الموظفين، وجذب أفضل المواهب في مجالات التكنولوجيا والتحليل المالي والاستدامة، إلى جانب تعزيز الشراكات والتعاون مع شركات التكنولوجيا المالية والمؤسسات الحكومية والجهات الفاعلة الأخرى لدفع عجلة الابتكار والشمول المالي. إن مستقبل القطاع المصرفي في الشرق الأوسط يتطلب رؤية بعيدة المدى وقدرة على التكيف مع بيئة سريعة التغير. من خلال الاستفادة من الفرص الناشئة وإدارة المخاطر بذكاء، وبالتالي يمكن لقادة المصارف قيادة المنطقة نحو عصر جديد من النمو والازدهار المالي.