بقلم: د/ عمرو جلال
محاضر وخبير التحول الرقمي وأمن المعلومات
نعم بكل تأكيد سوف يحل الذكاء الاصطناعي محل العاملين بالبنوك بل هو حل محلهم الآن بالفعل، ولكن المؤكد أيضاً هو أن ذلك سيكون بشكل جزئي. وهذه هي طبيعة الأمور، من عشرات السنين لم يكن هناك ماكينات صارف آلي والآن منتشرة بشكل كبير وحلت محل آلاف من العاملين بالبنوك، ولكن لا يزال هناك معاملات تتم من خلال شباك البنك.
والسؤال الأهم هنا هو: “ما هو التصرف الواجب على العاملين بالبنوك؟”. وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نفهم جيداً المفاهيم الأساسية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي لنعرف ما يمكن للذكاء الاصطناعي فعله وما لا يمكنه تنفيذه.
الذكاء الاصطناعي AI:
هو العلم الذي يمكننا من أن نجعل برامج الكمبيوتر تتصرف بشكل تجعل من يستخدمها يعتقد أنها ذكية أو تستطيع الفهم. وجدير بالذكر أن مجالات استخدام الذكاء الاصطناعي وطرق تطبيقه عديدة وشديدة التنوع وفيما يلي بعض المفاهيم الأساسية المستخدمة في هذا المجال وشرح لبعض التطبيقات:
تطبيقات التعامل مع اللغات الطبيعة Natural Language processing (NLP) :
ويقصد بها العديد من البرامج التي يمكنها اجراء عمليات على مدخلات في شكل كلمات أو جمل بلغة من اللغات التي يستخدمها البشر. ويدخل في نطاق ذلك أن يقوم برنامج الكمبيوتر بالترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية مثلا، أو قيام برنامج باكتشاف الغلطات الاملائية أو النحوية كما يشمل أيضا قيام برنامج بإعراب جملة أو اختصار وتلخيص كتاب أو مقالة.
تطبيقات التعامل مع الصور Image processing:
وتشمل كل ما يمكن ان يقوم به برنامج الكمبيوتر باستخدام الصور مثل تحويل صورة لكتابة بخط اليد إلى ملف نصي (تقنية OCR) أو التعرف على كائن مثل أن نطلب من برنامج الكمبيوتر فحص مجموعة من الصور وتحديد أياً منها يحتوي على صورة طفل أو يحتوي على زهور. كما يمكن أن نستخدمه في مطابقة التوقيعات بالبنوك أو تحسين جودة صورة بطريقة أتوماتيكية.
بل أكثر من ذلك يمكن الدمج بين NLP و Image processing بحيث تكتب لبرنامج الكمبيوتر عبارة توصف صورة في خيالك فيقوم البرنامج برسم هذه الصورة وربما بجودة تبدو لك وكأنها صورة فوتوغرافية حقيقية.
تعلم الآلة Machine learning:
ويقصد به أن تكون برامج الكمبيوتر قادرة على أن تتعلم من المدخلات التي يتم إدخالها إليها بحيث تتغير طريقة عملها بتغير هذه المدخلات وجدير بالذكر أن التعلم ينقسم إلى قسمين رئيسيين:
- التعلم تحت الإشراف supervised learning
- والتعلم بدون إشراف unsupervised learning
ويقصد “بالإشراف” هنا أن هناك من يقوم بتجهيز المدخلات وتحديد ما هو مقبول أو غير مقبول منها فمثلاً يمكننا اختيار مجموعة من الصور بعضها تظهر به قطط وبعضها لا مع القيام بتحديد أياً منها قطط وأياً منها لا وإدخال هذه الصور لبرنامج مع تعريفه أيًا من هذه الصور بها قطط.
بناءً على ذلك سيتعلم البرنامج كيف يتعرف على صور القطط دون مساعدة، وإذا قمنا بإعطائه مجموعة جديدة من الصور سيتمكن بمفرده أن يعرف أيها بها قطط وأيها لا. ومن المؤكد أن تعليم البرنامج باستخدام عدد كاف من صور القطط سيحسن من قدرته على التعرف عليها مستقبلاً.
أما بالنسبة للتعلم بدون إشراف unsupervised learning فيتم تعريف البرنامج بالقواعد التي يمكنه من خلالها تقييم البيان المقدم له، وبالتالي يكون قادراً على فرز البيانات المقدمة له دون مساعدة، فمثلاً إذا استخدمنا نفس المثال السابق الخاص باستخدام مجموعة من الصور بعضها به قطط، نقوم بتعليم البرنامج أن القطة لها رأس وذيل وأربعة أرجل وما هي العلامات التي تدل على وجود رأس أو ذيل أو أرجل وبعد ذلك نقوم بإدخال الصور له ومنها يقوم البرنامج باستخدام القواعد التي تعلمها للتعرف على كل صورة إذا كانت بها قطة أم لا. كما يمكنه يقوم بالاحتفاظ بهذه الصور لديه للتعرف لاحقاً على الصور بطريقة أكثر كفاءة.
التعلم العميق Deep Learning:
يختلف التعلم العميق عن تعلم الآلة في كم البيانات الضخم الذي يتم استخدامه لتدريب برنامج الكمبيوتر
ميكنة العمليات عن طريق الروبوت RPA (Robotic Process Automation):
وفيها يتم تدريب برامج الكمبيوتر على تنفيذ المهام المتكررة، فمثلاً إذا كان أحد البنوك بدأ في تقديم خدمة جديدة لعملائه الحاليين باستخدام نظام إلكتروني جديد ويحتاج تقديم هذه الخدمة ان يقدم العميل بعض المستندات الإضافية وإعادة إدخال بعض بيانات العميل على النظام الإلكتروني الجديد.
ولذلك يحتاج الأمر لقيام أحد الموظفين بفحص طلب كل عميل حالي والتأكد من تقديمه المستندات الإضافية وربما قراءة بيان محدد من هذه المستندات وإدخاله إلى النظام الجديد ونقل بعض البيانات من النظام الحالي إلى النظام الجديد؛ كل الإجراءات السابقة يمكن تعليمها لبرنامج RPA وتنفيذها بشكل أتوماتيكي.
بناءً على ما سبق فإن التطبيقات التي يمكن أن يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي عددها لا نهائي وينطبق ذلك على كل المجالات تقريبا بما فيها مجال العمل بالبنوك، فمثلا حاليا يستخدم الذكاء الاصطناعي فعلا في العديد من البنوك في المجالات التالية:
- ميكنة عمليات إعادة إدخال البيانات عبر نظم البنك وتنفيذ المهام المتكررة باستخدام RPA
- عمليات التأكد من صحة التوقيعات باستخدام تقنيات image processing
- استخدام تقنيات machine learning في العديد من التطبيقات مثل:
- توقع من سيوافق من العملاء الحاليين العملاء على الحصول على الخدمات الجديدة.
- اكتشاف عمليات الاحتيال.
- اكتشاف عمليات غسل الأموال.
- التقييم الائتماني للعملاء الجدد.
- الرد على استفسارات العملاء باستخدام برامج chatbot
- استخدام تقنيات OCR لتحويل صور المستندات إلى نصوص واستخراج البيانات المطلوبة منها.
- ترجمة النصوص آليا باستخدام تقنيات NLP
هذا فيما يخص تعامل البنوك مع العملاء، ويضاف إلى ذلك ما لا يمكن حصره من استخدامات تتعلق بأعمال البنك لكن لا تتعلق بالعملاء بصورة مباشرة.
فمثلاً يستخدم الذكاء الاصطناعي الآن في البنوك لمساعدة مديري الشبكات Network administrators لحل مشاكل الشبكات وضبط أدائها. كما يساعد مديري قواعد البيانات Database administrators في تحسين أداء برامج إدارة قواعد البيانات DBMS ومن أخطر المهام أيضاً استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل logs الخاصة بأجهزة أمن المعلومات لاكتشاف محاولات الاختراق. وغيرها الكثير من الاستخدامات.
نعود لسؤالنا الأهم: “ماذا يجب أن يفعل العاملين بالبنوك في مواجهة الذكاء الاصطناعي؟”.
والإجابة هي: “إنهم لا يجب أن يفعلوا أي شيء لمواجهته”.
وإنما يجب أن نعدل هذا السؤال ليصبح: “ماذا يجب أن يفعلوا لأنفسهم حتى يستفيدوا من الذكاء الاصطناعي؟”.
لو أننا تخيلنا أننا الآن نعيش أيام بداية ظهور “الآلة الحاسبة” فلا أعتقد أننا كنا سنفكر ماذا يمكن أن نفعل لمواجهة الالة الحاسبة وإنما يجب أن نفكر كيف يمكن أن نتعلم استخدامها في أسرع وقت وأعلى كفاءة وما هي الأعمال التي يمكن أن نستخدم الآلة الحاسبة فيها.
كذلك الحال مع الذكاء الاصطناعي، يجب أن نتعلمه جميعًا في أسرع وقت ونبحث أوجه الاستفادة منه وأفضل أساليب تطبيقه.
ادعو الله أن تكون هذه المقالة خطوة في هذا الاتجاه بإذن الله.