الدكتور هشام حمزة – باحث مصرفي
لتقييم وضع مصر من صادراتها المعززة بالتكنولوجيا الحديثة High-technology Exports نحتاج إلى عدد من المعايير الكمية، وقد تم اختيار تلك المعايير بعناية لقياس مركز مصر من صادراتها من التكنولوجيا الحديثة، لكن أولاً دعونا نوضح عدد من المفاهيم وهي:
- الاقتصاد المعرفي Knowledge Economy
هو الاقتصاد الذي تلعب فيه القطاعات المنتجة المستخدمة للتكنولوجيا الحديثة الدور الأساسي في النمو الاقتصادي، وتعتبر الموارد البشرية المؤهلة والتراكم المعرفي أكثر الأصول الإنتاجية قيمة في إطار إقصاد المعرفة، وبالتالي تتنامى أهمية بعض القطاعات الاقتصادية عن غيرها من القطاعات مثل الاتصالات وتقنية المعلومات والإبتكار والبحث العلمي والتطوير.
- المنظمة العالمية للملكية الفكرية World Intellectual Property Organization
ويتم اختصارها بـ WIPO وهي في الأساس منظمة دولية تابعة للأمم المتحدة، تعمل من أجل تعزيز حماية حقوق الملكية الفكرية، ظهرت في سنة 1967 وتأسست سنة 1970، ويبلغ عدد أعضائها 193 دولة عضواً، المقر الرئيسي: جنيف، سويسرا.
- الحكم على اقتصاد دولة ما على أنه اقتصاد معرفي Knowledge-Based Economy
يتم الحكم على اقتصاد دولة ما من كونه اقتصاد معرفي من عدمه من خلال احتساب نسبة مساهمة قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، كذلك إجمالي العمالة بقطاعي التكنولوجيا والاتصالات مقارنة بالعمالة ببقية القطاعات الاقتصادية الأخرى.
- مؤشر الابتكار العالمي Global Innovation Index
ويتم اختصاره بـ GII هو تقرير سنوي يقيس ويصنف أداء الابتكار للبلدان في جميع أنحاء العالم. يتم إنتاج التقرير من قبل منظمة الملكية الفكرية العالمية (WIPO) وذلك بالشراكة مع العديد من المنظمات والمؤسسات الأكاديمية الأخرى بهدف ضمان حيادية التقرير، يقيس GII مجموعة واسعة من المؤشرات المتعلقة بالابتكار، بما في ذلك عوامل مثل البحث، التطوير، الاستثمار، حماية الملكية الفكرية، رأس المال البشري، التكنولوجيا، والمخرجات الإبداعية، تطور بيئة الأعمال، تطور السوق والبنية التحتية. ويعد المؤشر أداة قيمة للبلدان لتحديد مجالات القصور بهدف التحسين.
مصر من مؤشر الإبتكار العالمي:
بالنسبة لمؤشر الإبتكار العالمي فإن مصر ترتيبها هو الـ 89 على مستوي العالم من أصل 132 دولة شملها المؤشر مقارنة بالمركز الـ 94 عن العام 2021 محققةً تقدماً في ذلك 5 مراكز (التصنيف العالمي، وتأتي مصر في الترتيب الـ 15 بالنسبة لدول شمال أفريقيا وغرب آسيا Northern Africa and Western Asia، وذلك بعد الكيان الإسرائيلي، قبرص، دولة الإمارات العربية المتحدة وتركيا (تصنيف حسب المنطقة) ، كذلك في الترتيب الـ 14 بالنسبة للدول ذات الدخل المتوسط من الشريحة الدنيا Lower middle-income وذلك بعد الهند ، فيتنام وإيران (تصنيف حسب الدخل).
صادرات مصر من المنتجات ذات التكنولوجيا العالية:
يمكن تعريف الصادرات من التكنولوجيا العالية بأنها الصادرات من المنتجات ذات الكثافة العالية في مجال البحث والتطوير Research & Development، ومن أمثلة ذلك المنتجات الخاصة بمجال الطيران، وأجهزة الكمبيوتر، والأدوية، والأدوات العلمية، والآلات الكهربائية.
خلال الفترة من 2014 وحتى عام 2017 شهدت، معدلات تصدير السلع عالية التكنولوجيا انخفاضًا ملحوظًا، فبعد أن كانت قيمة السلع عالية التكنولوجيا في عام 2014 بقيمة 168.39 مليون دولار، أصبحت القيمة في عام 2017 فقط 73.84 مليون دولار بمعدل انخفاض حوالي 56%، ثم تزايدت قيمة الصادرات تدريجيًا خلال الفترة من عام 2018 إلى 2021 مسجلة ارتفاعًا ملحوظاً بلغ أكثر من 3 اضعاف القيمة في عام 2021 عن عام 2018.
في المقابل نجد ارتفاعاً تدريجيًا في معدل نمو نسبة الصادرات من المنتجات عالية التكنولوجيا إلى إجمالي حجم الصادرات مكتملة الصنع لتصل عام 2021 إلى 3% تقريبا، لكن الحقيقة أن هذه النسبة غير كافية للحكم على تطور تلك النوعية الهامة من الصادرات من عدمه، لذا وجب مقارنة نفس النسبة مع دولة أخرى تتشابه في نفس الظروف الاقتصادية من معدل دخل، لذا تم اختيار دولة الهند كدولة ذات دخل المتوسط من الشريحة الدنيا Lower middle-income ، ولم يتم استخدام عناصر مقارنة أخرى مثل المقارنة بين حجم الصادرات عالية التكنولوجيا وما تمثله بالنسبة للناتج المحلي الإجماليGDP نتيجة للانخفاض الكبير للنسبة والتي لم تتخطى 1/80 من حجم الناتج المحلي الإجمالي .
مقارنة بين مصر والهند بالنسبة الصادرات عالية التكنولوجيا:
من الوهلة الأولى يتضح أن قيمة صادرات الهند من المنتجات عالية التكنولوجيا تتخطى مصر بأضعاف مضاعفة، فعلى سبيل المثال عام 2021، بلغت قيمة الصادرات المصرية عالية التكنولوجيا 526 مليون دولار، في حين بلغت قيمة صادرات الهند من الصادرات 27 مليار دولار، أي بحوالي 50 ضعف، أما عن نسبة الصادرات عالية التكنولوجيا مقارنة بإجمالي صادرات المنتجات مكتملة الصنع، فعلى سبيل المثال عام 2021 بلعت النسبة في مصر قرب الـ 3%، بينما لدى الهند فإن النسبة لنفس العام بلغت 10.21% أي أكثر من 3 أضعاف.
على الرغم من أن مصر والهند تعتبران من الدول النامية وتقعا في نفس معدل الدخل، إلا أن الهند لديها مستقبل واعد في مجال الاقتصاد المعرفي بينما مصر لازالت في خطواتها الأولى نحو التوجه إلى اقتصاديات المعرفة ومنه إلى تصدير المنتجات عالية التكنولوجيا ( ترتيب الهند على العالم بالنسبة لمؤشر الابتكار العالمي هو الـ 40 بينما مصر الـ 89، وترتيبها الأولى على مستوى شريحة الدخل المتوسط بينما مصر ترتيبها في نفس الشريحة الـ 14 ) والسؤال كيف أصبحت الهند الأولى على مستوي الدول متوسطة الدخل والـ 40 على مستوى العالم في مؤشر الابتكار العالمي، كذلك كيف استطاعت ان تحجز لنفسها مكاناً وسط الكبار في مجال تصدير المنتجات عالية التكنولوجيا؟
- البداية كانت مع عام 2014 عندما تم إطلاق برنامج “صنع في الهند”، والذي هدف إلى تحسين البنية التحتية للتصنيع في البلاد من خلال تسهيل الاستثمارات ورعاية الابتكار والبحث والتطوير وتشجيع تنمية المهارات وتعزيز سهولة ممارسة الأعمال التجارية في البلاد بالإضافة إلى مجموعة من الأهداف الأخرى مثل تسهيل الاستثمارات، توفير قوة دافعة للابتكار، تعزيز تنمية المهارات، حماية الملكية الفكرية، بناء أفضل للبنية التحتية الخاصة بمجال التصنيع، توفير فرص العمل.
- اتخاذ الحكومة الهندية العديد من المبادرات لتسهيل بيئة الأعمال، مثل إلغاء التراخيص وإلغاء القيود التنظيمية على الصناعات خلال فترة عمر النشاط التصنيعي بالكامل.
- فتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي المباشر في مجالات كانت تعتبر فيما قبل مجالات حكومية مثل السكك الحديدية والبنية التحتية والإنتاج الدفاعي.
- تحول دور الحكومة تجاه قطاع الصناعة من مجرد منظم للأعمال إلى ميسر للأعمال.
- في الهند ابحث عن صناعة التكنولوجيا IT Industry ففي الواقع لقد حقق قطاع تكنولوجيا المعلومات طفرة كبيرة ويعتبر أحد أهم الصناعات الرئيسية في الهند، والسبب في ذلك هو امتلاك الهند لثروة بشرية من القوى العاملة الماهرة تقنياً والتي أدت إلى جعل الهند قوة برمجية عظمى.
- الاهتمام بالبرمجيات وصناعة التكنولوجيا أدى إلى أن أصبح قطاع التكنولوجيا الوقود الذي يحرك الاقتصاد الهندي، فلم يؤدي دمج التكنولوجيا والتصنيع إلى تسريع العمليات فحسب، بل عزز أيضًا جودة المنتجات، وبالتالي انخفاض التكاليف وقد حفز ذلك إنشاء منتجات وخدمات مبتكرة، مصممة خصيصًا لتلبية متطلبات السوق العالمية دائمة التطور، وقد أدى ذلك في المحصلة النهائية إلى أن جعل الهند اقتصادًا جذابًا للمستثمرين الأجانب.
- انخراط الحكومة الهندية في تقديم الدعم المالي والمنح للمؤسسات التعليمية والبحثية.
- الترويج النشط والمستمر لقطاع البحث والتطوير R&D في الهند من قبل الحكومة.
وبالنسبة لمصر فإن بعض التوصيات وتنفيذها قد يصنع الفارق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- ربما جاء الوقت لتحويل الأفكار البحثية والتوصيات الناتجة من الأبحاث الأكاديمية إلى سياسات عامة قابلة للتنفيذ، مع وضع جداول زمنية وقياس الأثر والنتائج قبل وبعد تنفيذ كل سياسة.
- تحسين السياسات العامة الحالية لتعزيز الصادرات من خلال خفض تكاليف التجارة البينية.
- تحرير قواعد الاستثمار الأجنبي المباشر FDI من قيود البيروقراطية (الرخصة الذهبية نموذج وفرصة يجب استثمارها)، كما يمكن تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر من خلال أسعار الفائدة المدعومة والحوافز الضريبية خاصة إذا كانت تلك المشاريع موجهة باستخدام التكنولوجيا الحديثة والتصدير للخارج.
- تحسين البنية التحتية خاصة في مجال الاتصالات، (حققت خلال آخر 7 سنوات نمواً ملحوظاً في مجال الاتصالات لكن حاليا نحتاج إلى طفرة وليس نمواً فقط في عالم الاتصالات لتحقيق التنمية في كافة المجالات، إذ إن قطاع الاتصالات هو قطاع خدمي ويعتبر نواه لكل تقدم مأمول)
- تطوير مهارات العامل التكنولوجية عن طريق التدريب المستمر مع إجراء التقييم اللازم لتلك البرامج التدريبية وللمتدربين أيضًا
- إنشاء مجلس قومي لمراقبة سهولة ممارسة الأعمال سواء على مستوى المحافظات أو على مستوي القطاعات الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار الفصل في المهام بين واضع السياسة والمنفذ لها.
- تعزيز الابتكار وريادة الأعمال لتمكين الأنشطة ذات الإنتاجية الأعلى.
- وضع استراتيجية للاستثمارات في مجال الابتكار والبحث والتطوير R&D.
- تحديد القطاعات والمنتجات الرائدة والترويج لها بالخارج بشكل مكثف. استغلال الميزة التنافسية لمصر (أيدي عاملة، موارد طبيعية، موقع جغرافي يتوسط العالم … ) بالإضافة إلى ما تتمتع به مصر من قوه ناعمة خاصة لدى أشقائها من الدول الشرق الأوسطية وأفريقيا لتصدير منتجات عالية القيمة والتكنولوجيا، ومنه يمكن الانتقال فيما بعد إلى العالمية.
وأخيرًا وليس آخراً، تتمتع مصر بإمكانات هائلة لبناء القدرة التنافسية في قطاع التصنيع عالي التكنولوجيا وهذا هو الوقت المناسب لمصر لتحويل التركيز من تصدير العناصر التقليدية والخام التي تستخدم مستويات منخفضة أو متوسطة من التكنولوجيا إلى منتجات التصنيع عالية التقنية.