بقلم: جيهان فتحى – مستشار الموارد البشرية
تواجه العديد من المؤسسات و الشركات حاليا تحديات عديدة للنمو والإستمرار فى السوق خاصة بعد التداعيات الإقتصادية فى الأسواق العالمية بسبب جائحة كورونا ومن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية ، و تتمثل التحديات فى كيفية تحقيق الأهداف فى ظل معدلات تضخم عالمية مع صعوبة إنهاء الحرب و التى لا تلوح بوادر إنهاؤها فى الأفق ، يأتى ذلك مصاحباً لإرتفاع تكلفة التشغيل الخاصة بالمؤسسات سواء كانت تكلفة مباشرة أو غير مباشرة ، تكلفة ثابتة أو متغيرة ، ونظراً لأن تكلفة إدارة الموارد البشرية تعتبر من التكاليف المرتفعة فدائما ما ينظر إليها بإعتبارها هامة خاصة عند ربطها بتحقيق الأهداف و الأرباح للمؤسسة ، إلا أن العائد من تكلفة الموارد البشرية عادة ما يكون طويل الأجل و من ثم المردود المؤجل فى ظل التحديات الإقتصادية غاليا ما يتم إعتباره تكلفة غير ذات أولوية.
لذلك عندما تواجه المؤسسات مشكلات مالية سواء بسبب تحديات إقتصادية أو مشاكل خاصة بالسوق فإنه يعتبر من الممارسات الشائعة فى المؤسسات أثناء الأزمات الإتجاه إلى تطبيق إجراءات من شأنها تخفيض النفقات على مستوى المؤسسة منها تخفيض الإنفاق على شراء الأدوات المكتبية ، التوقف عن أي توسعات جغرافية فى العمل ، التوقف عن أنشطة الترويج التسويقية ، تاجيل كل ما يتعلق بتطوير المنتجات ، تخفيض شبكات الفروع ، تخفيض نفقات الموارد البشرية و التى تصل أحيانا إلى إلغاء الميزانية المخصصة للتدريب ، وقف التعيينات ، الإستغناء عن نسبة من الموظفين وكل ما يهدف إلى تخفيض التكلفة و من ثم زيادة الأرباح بعد خصم التكلفة الإجمالية من العائد.
إلا أنه عند الحديث عن تخفيض تكلفة الموارد البشرية نجد أن الحل الأسهل هو تخفيض العمالة بإعتبار المرتبات هى تكلفة ثابتة يمكن أن تساهم فى مواجهة التحديات ، إلا أن ذلك عادة قد يؤدى إلى فقدان عدد من ذوى الخبرة بالإضافة إلى إنخفاض الروح المعنوية لزملائهم و إنتشار الإحساس بعدم الأمان الوظيفى مما يؤثر سلبا على مستوى أداء الموظفين ، و هو ما ينعكس على نتائج المؤسسة ، و نظرا لأن المديرين مطالبين بتخفيض التكلفة فإن الإختيارات عادة تكون محدودة خاصة فى ظل الأزمات التى تواجه المؤسسات سواء على مستوى المؤسسة أو المستوى الإقليمى أو المستوى الدولى و عادة تكون النتيجة هو زيادة مستوى عدم رضاء الموظفين أثناء الأزمة و تأثر مستوى الأداء يعقبها زيادة إستقالات الموظفين عند إنتهاء الأزمات وإرتفاع معدل الدوران الوظيفى.
ولكى يتم تجنب الأثار السيئة لخفض التكلفة و بالأخص خفض تكلفة أنشطة و ممارسات الموارد البشرية ، يمكن تطبيق مفهوم ضبط تكلفة الموارد البشرية و التى يتمثل فى إدارة أوجه صرف التكلفة وتحديد الأولويات و التحكم فيها بهدف الإبقاء على هذه الأنشطة و لكن مع تعظيم النتائج و العائد من هذه الأنشطة ، حيث أن إدارة الموارد البشرية الإستراتيجية تركز دائما على إنعكاس انشطة الموارد البشرية على العائد و ربط هذه الأنشطة بالنتائج التى تحققها المؤسسات بسوق العمل.
و يتلخص مفهوم ضبط تكلفة الموارد البشرية إلى عمل تحليل للنفقات و العائد منها و تحديد النفقات الأعلى و وضع إختيارات لكل نشاط من الأنشطة مع الأخذ فى الإعتبار أولولية هذه الأنشطة و تأثيرعا على الموظفين، و طبقا لـ (GARTNER) يتم ذلك من خلال التركيز على ثلاثة محاور رئيسية وهى (1) تقليل نفقات أنشطة الموارد البشرية ، (2) رفع كفاءة عمليات الموارد البشرية (الرقمنة وتحسين نماذج تقديم الخدمات) و (3) تحسين تكاليف القوى العاملة.
وفى هذا الشأن تقوم المؤسسات بمراجعة عناصر التكلفة الحتمية و التكلفة الاختيارية لديها ، كما تتحمل المؤسسات نفقات تقديرية وغير تقديرية. وتتعلق هذه الأخيرة بالخدمات التشغيلية التي لا يمكن الاستغناء عنها حيث أنه يمكن للمؤسسات تحسين هذه النفقات ولكن لا يمكنها تأجيلها أو إلغائها ، و من ثم تظهر الحاجة لتبنى إستراتيجيات ضبط نفقات تكلفة الموارد البشرية و تطبيق عدة إجراءات تمكنها من ضبط النفقات وتجنب تأثر أداء الموظفين بشدة من تطبيق مثل هذه الإجراءات و تتضمن إجراءات ضبط عناصر تكلفة الموارد البشرية مراجعة هذه العناصر و إيجاد بدائل أقل تكلفة أو إلغاء بعض البنود ذات الأولوية الأقل ، أو تقليل بعض المخصصات لهذه الأنشطة، و لكن الأساس هو تجنب إلغاء أي أنشطة خاصة بإدارة الموارد البشرية قدر الإمكان.
وعند الحديث عن مثل هذه الأجراءات نجد انها تتضمن التركيز على الإنتقالات والترقيات من داخل المؤسسة ، التوجه نحو تعيين المتدربين و العقود المؤقتة للقيام بالمهام بتكلفة أقل ، زيادة الإعتماد على التدريب الإفتراضى و التدريب داخل المؤسسة دون الحاجة لإلغاء بند التدريب ، تقليل التعيينات الجديدة و إقتصارها على الوظائف ذات الضرورة القصوى للمؤسسة و فى حالة التعيين يمكن إجراء المقابلات و الإختبارات أونلاين ، وضع خطط تعاقب وظيفى لتقليل مخاطر عدم وجود المواهب الكافية لإدارة الأمور أثناء مواجهة هذه التحديات ، الإتجاه للرقمنة و الأتمتة كلما أمكن و الذى ينعكس على تقليل إستهلاك الأدوات المكتبية ، الإستثمار فى تطبيقات الموارد البشرية فى حدود المتاح ، إعادة النظر والتقليل من المزايا التى تصنف مزايا أكثر رفاهية للموظفين والتركيز على المزايا الأكثر توفيرا للموظف مالياً والتى تتسم بالأولوية والأهمية للموظف، تحديد (والتقليل إن أمكن) الوقت الإضافى بعد العمل والذى يتم تقاضى أجر مقابل ذلك ، التشجيع على العمل من المنزل مما يقلل من تكلفة الإنتقالات و التكلفة التشغيلية للمباني ، الإستفادة من الـ Outsourcing لخدمات الموارد البشرية التى تمثل نسبة ليست بقليلة من ميزانية المؤسسات ، إعادة التفاوض مع مقدمى الخدمات لأنشطة الموارد البشرية إما للحصول على تسهيلات وشروط أفضل أو إعادة النظر فى الإتفاقيات دون اللجوء لإلغائها ، أيضا فى بعض المؤسسات التى يتسم موظفيها بالخبرة المتميزة و درجة عالية من الوعي يتم عمل إجتماعات العصف الذهنى للحصول على أفكار من الموظفين نفسهم تساهم فى ضبط نفقات أنشطة الموارد البشرية من وجهة نظرهم وإعطاء الأولوية للأنشطة التى لا غنى عنها وذلك بصفة عامة و من ثم تساعد على ضبط التكلفة و لا نستطيع تطبيق إجراءات ضبط تكلفة الموارد البشرية دون الأخذ فى الإعتبار أسس الموارد البشرية الخضراء و التي تساهم فى المحافظة على البيئة من جانب و من جانب أخر تساهم فى ضبط تكلفة التشغيل.
وبالرغم من أهمية تطبيق مفهوم ضبط تكلفة الموارد البشرية إلا أن الإستمرار فى ذلك يعتبر أمر صعب ، فطبقاً لـ GARTNER’S Survey يتمكن 43% من رؤساء المؤسسات من تخفيض التكلفة عند تطبيقها فى العام الأول ، فى حين 11% فقط من هؤلاء يتمكنون من إستمرارية تخفيض النفقات فى الأعوام الثلاثة التالية.
وحيث أن أستمرار أنشطة و ممارسات الموارد البشرية له أثر إيحابى على بيئة العمل ، نجد أنه مهما كانت استراتيجيات ضبط تكاليف الموارد البشرية التي يتم تنفيذها لا بد من التأكد من إبقاء الموظفين سعداء ومشاركين فى العمل ، مما سيؤدى لتحقيق التوازن الصحيح بين تحسين تكاليف الموارد البشرية والحفاظ على ولاء الموظفين و لمساهمة فى إرتفاع مستوى الأداء مما ينعكس على نتائج تك المؤسسات ، ففى النهاية معيار تقييم نجاح تلك الإستراتيجيات هو مواجهة التحديات بنجاح و المحافظة على تحقيق الأهداف داخل المؤسسات ومواجهة التحديات المختلفة فى سوق العمل.