دكتور هشام حمزة- باحث مصرفي
ستنتهي الحرب الروسية – الأوكرانية آجلا أو عاجلا، لكن أصداؤها ستستمر لحين من الزمن وهذه الأصداء والتبعيات ناتجة عن كون العالم قرية صغيرة تعتمد أجزائها على بعض في تحقيق الاكتفاء بهدف تحقيق رفاهية مجتمعاتها.
وفي ظل الأزمات تحتاج معظم الدول إلى إعادة ترتيب المنزل من الداخل على مستوي القطاعات الاقتصادية الأكثر احتياجا للتنمية، خاصة وأن الحرب أسفرت عن ظهور عدد من الأزمات على مختلف دول العالم.
بالنسبة لمصر فقد أظهرت الحرب مشكلة عدم الاكتفاء الذاتي من الحبوب الاستراتيجية خاصة القمح، كذلك ارتفاع عجز ميزان المدفوعات والجزء الأعظم من عجز ميزان المدفوعات المصري ناتج عن عجز الميزان التجاري. علما بأن ميزان المدفوعات هو تقدير مالي لجميع المعاملات التجارية والمالية التي تتم بين الدولة والعالم الخارجي خلال فترة زمنية معينة (سنة)، بينما الميزان التجاري هو الجزء من ميزان المدفوعات الخاص بتسجيل صادرات وواردات السلع خلال الفترة محل الحساب وتسجل الصادرات في الجانب الدائن والواردات في الجانب المدين. ومن خلال السطور التالية سوف ألقي الضوء على أهم القطاعات ذات الأولوية بالاهتمام من جانب الاقتصاد المصري خلال الفترة التالية ، كذلك خارطة الطريق لتلك القطاعات وذلك بهدف الوصول إلى معدلات تنمية تناسب مكانة الدولة المصرية.
القطاع الزراعي (القمح)
يعد محصول القمح من أهم محاصيل الحبوب الغذائية الإستراتيجية في مصر ويعتبر الغذاء الرئيسي لمعظم فئات الشعب المصري. حيث يستخدم في صناعة رغيف الخبز بالإضافة لاعتماد عديد من الصناعات الغذائية عليه، ومع الزيادة السكانية المضطردة يزداد الطلب عليه. وتعاني مصر من فجوة مستمرة في هذا المحصول والتي بلغت حوالي 55% من حجم الاستهلاك ويتم سد هذه الفجوة بالاستيراد من الخارج بالعملة الصعبة مما يضغط على الميزان التجاري السلعي غير البترولي ، وبسبب الحرب وانخفاض الوارد من المحصول سواء من روسيا وأوكرانيا ظهر في الافاق معضلة الامن الغذائي، ولإيجاد حل سريع قامت الدولة بتنويع مصادر الواردات من عدة دول وذلك لسد فجوة محصول القمح كحل مؤقت، لكن على الاجل المتوسط والطويل يجب على الدولة اتباع خارطة طريق في شكل عدد من الخطوات لسد فجوة اهم محصول زراعي وتحقيق الأمن الغذائي ومن ضمن تلك الخطوات:
- التوسع الافقي ويتم عن طريق زيادة المساحات المنزرعة من القمح
- التوسع الراسي ويتم عن طريق زيادة إنتاجية الفدان بزراعة الأصناف عالية الإنتاج واستنباط أصناف أكثر مقاومة للظروف الجوية.
- العمل على خفض الفاقد بداية من عمليات الحصاد مرورا بالتخزين وحتى الاستهلاك.
- اتباع طرق الزراعة الحديثة عن طريق نقل تجارب الدول الناجحة في المجال الزراعي.
- اتباع سياسات توريد مرنة مجزية للمزارعين لتشجيعهم على زيادة المزروع من القمح.
القطاع الصناعي
قرأت خبر منذ فترة بسيطة إن عدد من المصنعين المحليين تمكنوا من تصنيع قلب خلاط حنفية محليا خاص بالأدوات الصحية بالإضافة الى البدء في صناعة المسامير التي تدخل في كافة الاعمال الهندسية، وعلى الرغم من بساطة نوعية المنتجات سالفة الذكر (قلب خلاط حنفية ومسامير) الا انها بداية لتجربة يمكن تعميمها فيما بعد على مستويات منتجات اهم، خاصة وان مصر تمتلك كافة المقومات الصناعية التي تؤهلها للريادة إقليمياً وقارياً كما تتوافر بها المواد الخام والكوادر البشرية المؤهلة ومصادر الطاقة التقليدية والمتجددة بالإضافة إلى سياسة الدولة الداعمة للقطاع الصناعي من خلال بيئة ملائمة وحزم تشريعية وإجرائية داعمة للاستثمار الصناعي، كما تعتبر مصر منطقة لوجستية تتوسط العالم والذي يمكنها توزيع منتجاتها وتصديرها للخارج ببساطة ،والسؤال اين المشكلة؟
يوجد عدد من المشاكل التي تواجه أي مستثمر في القطاع الصناعي سواء كان المستثمر محليا او اجنبيا ، ومن ضمن تلك المشاكل مواريث البيروقراطية للحصول على التراخيص الخاصة بالتصنيع ، كذلك عجز الصناعات الصغيرة على تلبية احتياجات المصانع الكبيرة نتيجة عشوائية الأداء ونقص الخبرات ، عدم تقيد بعض الصناعات بالمواصفات والمقاييس وإجراءات مراقبة الجودة مما يجعلها غير مستعدة للمنافسة عالميا ومزاحمة الصناعات الأخرى بالسوق العالمي ،عدم التأهيل اللازم فنيًا وتعليميًا للعامل او الفني المصري وهو اهم مورد باي مشروع صناعي، ارتفاع التكاليف الإنتاجية بالمقارنة مع بعض الدول المتقدمة اقتصاديا بسبب انخفاض المستوى التكنولوجي والإنتاجي المستخدم بالصناعة ، التوجه العام لأذواق المستهلكين إلى المنتجات المستوردة بديلًا عن المحلية منها او ما يسمي (بعقدة الخواجة) ، ولمواجهة تلك المعوقات يوجد عدد من الخطوات التي قد تساعد بالنهوض بالصناعة المصرية وجعلها اكثر تنافسية اوضحها في التالي:
- بداية مع العامل المصري وهو المورد الأهم في الصناعة لذا فان وجود برنامج قومي الهدف منه هو الاهتمام ببرامج التدريب المهني لتوفير العمالة الماهرة التي تفي باحتياجات سوق العمل الداخلي أصبح ضرورة ملحة.
- ربط المراكز البحثية بمراكز الإنتاج، وأعني هنا تحويل الأفكار المكدسة بالأبحاث الى منتجات ملموسة او استخدام طرق إنتاجية متميزة.
- خفض سعر الفائدة على قروض القطاع الصناعي خاصة على مستوي الصناعات الناشئة وذلك لدعمها وجعلها أكثر قدرة الاستمرار.
- تخفيض أسعار الطاقة لخفض التكلفة الاجمالية للمنتج النهائي.
- الاستعانة بالذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في مجال التصنيع بهدف خفض التكاليف وزيادة جودة المنتج النهائي.
- تعميق المكون المحلي خاصة في الصناعات المغذية لصناعات اخري والتي يمكن بالإصرار تنفيذها في مصر.
- دعم المدن الصناعية ويتم ذلك عن طريق توفير البنية التحتية الملائمة للصناعات من طاقة وشبكة طرق.
- الاهتمام بجودة مخرجات الصناعة المحلية، وذاك بهدف جعلها قادرة على التنافس داخليا وخارجيا ومقابلة أذواق المستهلكين.
- تبني استراتيجية تصنيعية تناسب الإمكانات المصرية الحقيقية.
- الاستفادة من تجارب الدول الصناعية.
وأخيرا اؤكد على أن مصر قادرة على تخطى الأزمات الحالية، لكن يظل ذلك مرهون بمدى قدرة خططها وبرامجها وأولادها المخلصين من الاهتمام بالقطاعات ذات الأولوية بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي كخطوة اولي تليها المنافسة عالميا ثانيا، لنصل الي المكانة التي نستحقها كدولة محورية في وسط العالم.
نعم مصر تستطيع