عصام بركات
وكيل المحافظ المساعد
نائب المدير التنفيذي لوحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
الرئيس المشارك لفريق عمل التقييم المتبادل بمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
تواجه كافة دول العالم مخاطر عديدة نتيجة ارتكاب جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويترتب على هذه الجرائم عواقب وآثار سلبية وخيمة محلياً واقليمياً ودولياً، على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث تتأثر الدول سلبًا من التدفقات المالية غير المشروعة وكذا من تمويل عمليات أو أشخاص أو كيانات إرهابية.
وقد تكاتف المجتمع الدولي منذ عدة عقود لوضع أسس متينة ومعايير موحدة للتعاون الدولي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تم تأسيس مجموعة العمل المالي FATF بهدف وضع المعايير وتعزيز التنفيذ الفعال للتدابير القانونية والتنظيمية والتشغيلية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهديدات الأخرى ذات الصلة بسلامة النظام المالي الدولي.
وتتمثل تلك المعايير الدولية في أربعين توصية تغطي كافة مجالات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح، بما يشمل وضع إطار قانوني ورقابي محكم على المؤسسات المالية المختلفة وبعض المهن والأعمال غير المالية المحددة، كسماسرة العقارات وتجار المعادن النفيسة والأحجار الكريمة وأندية القمار وغيرها، بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
ومن أهم الأمور التي تتطلبها تلك المعايير الدولية هي قيام الدول بوضع نُظم فعالة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تعتمد على تحديد وتقييم وفهم مخاطر تلك الجرائم في إطار فعال من التعاون والتنسيق الوطني بين الجهات المعنية بالدولة وباستخدام نطاق واسع من مصادر المعلومات الموثوقة، وذلك بهدف تكوين فهم موحد عملاً على تطوير سياسات وأنشطة المكافحة وترتيبها حسب الأولوية، كما يتطلب الامر تعميم نتائج هذا التقييم على الجهات المحلية المعنية المختلفة لتبني تدابير مناسبة لخفض مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تم تحديدها.
وبناء عليه يجب على كل دولة أن تقوم بعملية التقييم لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تواجهها على المستوى الوطني، من خلال إشراك كافة الجهات المعنية بالدولة في مجال المكافحة، بما يشمل واضعي السياسات، وسلطات إنفاذ القانون والتحقيق، ووحدة التحريات المالية، والسلطات الرقابية وغيرها من الجهات الأخرى، والمؤسسات المالية وغير المالية.
وتنقسم عملية التقييم الوطني للمخاطر إلى ثلاث مراحل، وهى تحديد المخاطر، وتحليلها، وتقييمها، ففي المرحلة الأولى يتم وضع قائمة أولية بالمخاطر المحتملة أو عوامل المخاطر التي تواجهها الدولة، مع الأخذ في الاعتبار تحديد مصادر الأموال لجريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث يمكن ان يتم تمويل الإرهاب من مصادر مشروعة أو غير مشروعة، بينما في عمليات غسل الأموال فإن مصادر الأموال لا بد أن تكون متحصلة من نشاط إجرامي، أما في المرحلة الثانية الخاصة بتحليل المخاطر، تتم دراسة طبيعة المخاطر أو عوامل المخاطر التي تم تحديدها، ودراسة احتمال حدوثها وتبعاتها، وفى المرحلة الثالثة يتم وضع قيم وأهمية نسبية للمخاطر السابق تحديدها وتحليلها لتحديد أولويات التعامل معها، ويتعين وفقا لهذه الأولويات وضع خطة استراتيجية تتضمن لأهداف والإجراءات الواجب اتخاذها للحد من تلك المخاطر.
وتستند عملية التقييم الوطني للمخاطر إلى المعلومات والبيانات التي يمكن الوصول إليها، سواءً كمية أو نوعية، بما يشمل الإحصاءات، والمعلومات الاستخباراتية، ووجهات نظر الخبراء، ومعلومات من المؤسسات المالية وغير المالية، ونتائج دراسة أنماط غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وغيرها من عمليات تقييم المخاطر التي سبق اعدادها على المستوى الإقليمي والوطني والمصادر الموثوق بها الأخرى.
ولإتمام عملية التقييم الوطني للمخاطر يجب أن تقوم الدولة بتحديد وقياس ثلاثة مكونات لهذه العملية وهي، التهديدات والتي تتمثل في المجرمين وأموالهم غير المشروعة، والمجموعات الإرهابية وأموالهم، ومعاوني كل منهما، وما يرتبط بذلك من تفاصيل كحجم تلك الأموال غير المشروعة وأنواع الجرائم التي تحصلت منها ، ومدى ارتكاب تلك الجرائم محلياً أو دولياً، كما يجب على الدولة الوقوف على كافة العوامل والسمات التي تشكل نقاط ضعف سواء على مستوى المؤسسات المالية وغير المالية أو على المستوى الوطني، والتي قد يستغلها المجرمون في ارتكاب جريمة غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، وأخيرا العواقب أو الضرر الذي يمكن أن يسببه غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، ويشمل الأثر السلبي على الأنظمة والمؤسسات المالية والاقتصاد والمجتمع.
ومن الجدير بالذكر أن جمهورية مصر العربية قد اعتمدت في تجربتها المميزة في إعداد التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب على منهجية وطنية تم وضعها خصيصاً لتقييم تلك المخاطر ، بحيث أخذت في اعتبارها تحديد وتحليل وتقييم تهديدات غسل الأموال وتمويل الإرهاب ونقاط الضعف والعواقب ذات الصلة بالقطاعات المختلفة، بما يشمل القطاعات المالية وغير المالية، كما تم منح درجات Scores بالاعتماد على البيانات والمعلومات التي تم تجميعها وتحليلها، وتم تبادل النتائج مع كافة الجهات المعنية أولا بأول لاتخاذ الإجراءات اللازمة للتغلب على نقاط الضعف التي تم الوقوف عليها، وقد تم اعتماد تقرير التقييم الوطني الأول للمخاطر من قبل اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في أغسطس 2019.
ومن الجدير بالذكر، أنه وفقاً لإجراءات مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا MENAFATF ، والتي تعد المجموعة الإقليمية المختصة بتبني المعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فإنه يتم دورياً تقييم نظم المكافحة المطبقة بالدول الأعضاء بها، ومن ضمنهم مصر، وقد أسفرت نتائج عملية تقييم النظم المصرية، والتي تم اعتمادها من الاجتماع العام للمجموعة في مايو 2021 عن أن مصر أثبتت أن لديها فهماً جيداً لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تتعرّض لها من خلال قيامها بإجراء تقييم وطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب وذلك من خلال وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية وبمشاركة كافة الجهات المعنية، وتم الاعتماد فيه على منهجية وطنية لتحديد التهديدات ونقاط الضعف والعواقب، كما تم مشاركة المخرجات مع كافة الجهات الوطنية والقطاع الخاص بالدولة، وقد اعتمد هذا التقييم على التنسيق المحلى الفعال وتوفير ومشاركة البيانات بين القطاعين العام والخاص، وبناءً على نتائج هذا التقييم فقد تم تحديث الاستراتيجية الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بما يعكس تلك النتائج، كما تبنت مصر سياسات وتدابير تتلاءم مع المخاطر التي تم تحديدها، وتهدف هذه السياسات إلى معالجة الأطر التشريعية والرقابية وزيادة فعالية جميع الجهات والمؤسسات المعنية بمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ودعم الإطار المؤسسي والتعاون المحلى والإقليمي في هذا المجال.
ونتيجة للمتغيرات التي حدثت على المستوى الوطني والدولي، فقد قررت اللجنة الوطنية التنسيقية فور اعتماد تقرير التقييم الوطني الأول للمخاطر اتخاذ ما يلزم نحو إعداد تقرير التحديث الخاص بتلك المخاطر، حيث روعي في تقرير التحديث انعكاس مخاطر انتشار التسلح بالإضافة الى عكس الجهود التي اتخذت من قبل الجهات المعنية، ويتم حالياً اتخاذ الخطوات اللازمة لبدء مشروع اعداد التحديث الثاني للتقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب بهدف الإدراك الدائم والسليم لمخاطر هاتين الجريمتين والحد من تلك المخاطر مع الاستغلال الأمثل لموارد الدولة.