هشام حمزة – باحث مصرفي
مصطلح التضخم يعتبر واحد من أشهر المصطلحات في علم الاقتصاد، ويعرف التضخم بشكل عام على انه الارتفاع المستمر في المستوي العام لأسعار السلع والخدمات خلال فترة معينة، ويسفر عن ذلك انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية وبالتالي القيمة الحقيقة للدخل، والقيمة الحقيقة للدخل هي مقدار ما يمكن شرائه من سلع وخدمات عن طريق استخدام عدد معين من وحدات النقود.
ويلاحظ من التعريف السابق ان التضخم ارتبط بالارتفاع في المستوي العام لأسعار السلع والخدمات وليس على مستوي سلعة او خدمة واحدة، كذلك يجب ان يستمر معدل الارتفاع في سعر تلك السلع والخدمات لفترة معينة وليس لمدة يوم، كما يرتبط التضخم بالارتفاع في أسعار السلع والخدمات وليس في أسعار الأصول.
وللتضخم أنواع مختلفة (زاحف، جامح، مكبوت)، وأساليب مختلفة لقياسه، بالإضافة الى فائزين (مدينين) وخاسرين (دائنين)، لكن الأكيد انه لا يوجد اقتصاد مهما كانت قوته يرغب في ان تستمر الموجة التضخمية نتيجة ما قد يتعرض له الاقتصاد من مخاطر.
لكن هل يؤثر التضخم على كافة افراد المجتمع بنفس المعدل؟ يختلف تأثير التضخم من فرد لآخر طبقا لعدد من المؤشرات أهمها هو طبيعة دخل الفرد نفسه، فاذا كان الفرد من أصحاب الدخل الثابت (الموظف) فان الارتفاع في مستويات الأسعار سوف يؤدي الى انخفاض القيمة الحقيقية لذلك الدخل، اما إذا كان الفرد من أصحاب الدخل المرن (التجار، أصحاب الحرف، مالكي المصانع والشركات، المستوردين، أصحاب العمل الحر) فأن الفرد يستطيع زيادة دخله لتتناسب مع الارتفاع العام في مستوي الأسعار وذلك عن طريق نقل الزيادة في السعر الي المستهلك الأخير للسلعة او الخدمة.
وعن اهم أسباب التضخم فانه يمكن التفرقة بين نوعين وهم، التضخم الناتج عن زيادة الطلب Demand-pull inflation هو التضخم الناتج عن حدوث زيادة في الطلب الكلي والتي لم يقابلها زيادة مماثلة في الإنتاج، أي أن الأسعار ترتفع نتيجة لزيادة الطلب عن الطاقة الإنتاجية للاقتصاد ، والنوع الاخر هو التضخم الناتج عن ارتفاع التكاليف Cost-Push inflation هو ذلك النوع من التضخم الذي يشنأ نتيجة ارتفاع تكاليف عناصر الإنتاج بشكل عام وبالتالي تكلفة الإنتاج الكلية للسلعة فيضطر بذلك قيام الموردون وأصحاب المصانع والشركات من رفع سعر السعة النهائي في محاولة للاحتفاظ بنفس مستوي الإيرادات قبل ارتفاع تكلفة عناصر الإنتاج.
التضخم حديث الساعة
أن موجة الارتفاع العام في الأسعار التي هزت كيان العالم اقتصاديا والتي بدأت من بعد منتصف عام 2021 وحتى الان مرت بمرحلتين كالتالي:
- الموجة الاولي (الانفتاح بعد الانكماش) وهذه المرحلة ظهرت من بعد منتصف عام 2021، إذ بدأت معظم دول العالم في التخلي ولو بشكل تدريجي عن الإجراءات الاحترازية التي كانت متخذة اثناء وباء (كوفيد – 19) ومع تخفيض الإجراءات الاحترازية زاد حجم الطلب العالمي على السلع والخدمات بعد فترة من انكماش حجم التجارة العالمي نتيجة الوباء، ونتيجة لعدم استعداد معظم المنظمات العالمية لمقابلة تلك الزيادة في الطلب عن طريق زيادة الإنتاج، ارتفعت الأسعار شيئا فشيئا.
- الموجة الثانية (روسيا أوكرانيا) وهي مرحلة خلقتها ظروف الحرب الروسية الأوكرانية، فمثلها مثل أي حرب خلقت طلبا متزايدا وبوتيرة متسارعة على كافة أنواع السلع فكانت النتيجة موجة اخري من الارتفاع العام في الأسعار ولكن اشد وأسرع من سابقتها، وساعد في ذلك مجموعة من الأسباب أهمها ان روسيا وأوكرانيا تعتبرا مصدرين رئيسيين للسلع الأساسية ويشمل ذلك (الغاز والنفط والفحم والأسمدة والقمح والذرة والزيوت النباتية) وتعتمد العديد من الاقتصادات في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وأفريقيا اعتماداً شبه كامل على روسيا وأوكرانيا للحصول على وارداتها من القمح اذ تصدر البلدين نسبة 75% تقريبا من وارادات القمح لتلك البلاد ، كما ان لروسيا أيضا وزنٌ كبير في سوق الطاقة والمعادن فهي تساهم بربع صادرات الغاز الطبيعي، و18% من سوق الفحم، و14% من سوق البلاتين، و11% من صادرات النفط الخام على مستوي حجم التجارة العالمي.
ومما لا شك فيه أن الحرب الروسية الأوكرانية سوف ترمي ظلالها على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية لسنوات، كما سوف تتغير خريطة الاستثمارات والتحويلات والنظم التجارية التقليدية المعمول بها لعقود ماضية، كما سوف تخلق الحرب نوع اخر من التكتلات الاقتصادية ولاعبين دوليين جدد، كما ان اثار الحرب سوف تطول الدول العظمي والنامية على حد سواء ولكن بنسب متفاوتة.
التضخم الحالي هو تضخم مستورد ناتج عن زيادة الطلب
مما سبق نستنتج أن التضخم بالفعل كان حتميا نتيجة الأسباب والظروف العالمية التي تم فرضت على العالم اجمع من وباء عالمي وحرب نأمل الا تكون هي أيضا عالمية ، لكن لا يعني ذلك ان استمرار التضخم حتمي هو الاخر، بل يوجد أساليب يمكن بها مواجهة التأثيرات السلبية للتضخم ومن ضمن اهم هذه الأساليب ما قام به البنك المركزي من تعديل سعر الفائدة في 21 مارس وذلك حتي يمكن امتصاص اكبر قدر ممكن من السيولة لتوجيهها عن طريق البنوك الى الاستثمار من ناحية ، ومن ناحية اخري لخفض حجم الطلب على السلع والخدمات وبالتالي الانخفاض التدريجي لأسعار السلع والخدمات، بالإضافة الى مجموعة من الأساليب الأخرى والتي تتناسب مع دول العالم النامية مثل:
- الحد من المكون الأجنبي قدر الإمكان في السلع المحلية واستبداله بالمكون المحلي.
- الرقابة على الأسواق مع اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتجاوزين والمحتكرين، خاصة وان بعض التجار يستغلوا الازمات في زيادة أسعار واحتكار السلع.
- زيادة حجم الدعم الموجه للقطاع الزراعي مع مراعاة توجيه الجزء الأكبر من الدعم نحو المحاصيل الأساسية.
- برامج الحماية الاجتماعية خاصة للفئات الاولي بالرعاية.
- توفير السلع (خاصة الرئيسية) بالكميات والاسعار المناسبة عن طريق المنافذ الحكومية.
- إيقاف استيراد سلع الرفاهية والغير ضرورية والتي لديها بديل محلي (ولو بشكل مؤقت) حتى انتهاء الازمة لتوفير النقد الأجنبي قدر الإمكان.
- استغلال الفرص الإنمائية التي تقدمها المنظمات العالمية (ألبنك الدولي وصندوق النقد الدولي).
- البدء من الان في اعداد تصور لنظام تبادل تجاري عالمي جديد يتلاءم مع فترة ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
وأخيرا يجب أن أشير إلى أن مصر استطاعت بفضل رجالها المخلصين وسياسات البنك المركزي المرنة والمبادرات الحكومية من عبور ازمة (كوفيد – 19) وحققت نموا اقتصاديا على كافة المستويات في وقت تراجع فيه الاقتصاد العالمي خلال الازمة، ونحن على ثقة انها ستعبر بسلام أيضا ما فرضته ظروف الحرب الروسية الأوكرانية وسيكون القادم بالتأكيد أفضل.