بقلم دكتور أحمد حسني – مدير مراكز تطوير الأعمال – مبادرة رواد النيل
في حياتنا العملية نتداول كثيرا لفظ الانتماء كما تعمل منظمات الأعمال إلى ترسيخ هذا المفهوم لدى العاملين بها، وفي بعض المنظمات تلجأ إلى تقرير بدلات نقدية تحت مسمى ” بدل انتماء”.
فما حقيقة هذا المفهوم، وكيف يتولد لدى الفرد الانتماء التنظيمي، وما هي العوامل المؤثرة على مستوى الانتماء التنظيمي؟
في واقع الأمر، يتحقق الانتماء التنظيمي عندما يكون لدى الفرد إعتقاد قوي وقبول لأهداف وقيم المنظمة؛ أي تحدث عملية تطابق بين أهداف الفرد والمنظمة. هذه العملية يمكن ان نسميها ” الاتجاه الانتمائي”. عندئذ تتولد لدى الفرد رغبة في بذل أكبر عطاء ممكن لصالح المنظمة التي يعمل بها، مع رغبة قوية في الاستمرار في عضوية المنظمة، ويترتب على تولد هذه الرغبة ما يسمى بـ “السلوك الانتمائي” بأن يسلك الفرد سلوكا يفوق السلوك الرسمي من أجل الاسهام في نجاح وإستمرارية المنظمة كالإستعداد لبذل مجهود أكبر والقيام بأعمال تطوعية، وتحمل مسئوليات إضافية.
وهناك علاقة متبادلة بين الإتجاه الإنتمائي والسلوك الإنتمائي، فكلما كان الإتجاه الإنتمائي للفرد مرتفعا، أثر ذلك على سلوكه الإنتمائي، ومن ثم على إدراك الفرد لمواقف العمل المختلفة.
ومن العوامل المؤثرة على مستوى الإنتماء التنظيمي:
- خصائص الفرد وتجاربه في بيئة العمل ( مستوى التعليم، توقعاته من المنظمة، الحاجات العليا للفرد، دوافع الإنجاز لديه، مدة الخدمة).
- خصائص الوظيفة من حيث مجالها، ومكانة الفرد في العمل، درجة التوتر بالوظيفة، الأجور.
- خصائص المنظمة من حيث مشاركة الأفراد في إتخاذ القرارات، الشعور بالأمان، المركزية، القيادة والإشراف.
إذا، الإنتماء التنظيمي يعبر عن استثمار متبادل بين الفرد والمنظمة، يستمر باستمرار العلاقة التعاقدية.
أعتقد الآن أنك تفكر كثيرا في هذا المفهوم، وتدور في ذهنك عدة أسئلة حول:
هل هناك فرق بين الانتماء التنظيمي والرضا عن العمل؟ إذا أنت تريد أن تعرف مفهوم الرضا عن العمل، ما العلاقة بين الرضا عن العمل والانتماء التنظيمي؟ إذا أنت تريد أن تعرف ماذا يحدث عندما يكون الفرد غير راضي عن العمل وفي نفس الوقت مازال مرتبط ومستمر بالعمل؛ أي لديه مستوى معين من الانتماء التنظيمي، ما الذي يسبق الآخر؟ هل مشاعر الرضا تسبق مشاعر الانتماء أم العكس؟
وللإجابة على هذه التساؤلات، علينا أن نفرق بين نوعين من العلاقة التعاقدية فيما بين الفرد والمنظمة؛
العلاقة الأولى: علاقة تعاقدية مكتوبة تحدد الحقوق والواجبات في إطار قانون العمل (عقد العمل الفردي الموقع بين الطرفين).
العلاقة الثانية: علاقة تعاقدية غير مكتوبة “نفسية بين الفرد والمنظمة”، وهي ما نطلق عليه “العقد النفسي” قام العامل وأيضا المنظمة بتوقيعه وفقا لنظرية التوقع، واسمحوا لي أن نتعرض لمفهوم العقد النفسي، ونظرية التوقع كمدخل تأسيسي لمفهوم الرضا عن العمل.
أولا: مفهوم العقد النفسي Psychological Contract
يستند مفهوم العقد النفسي إلى فهم وإدراك الفرد والمنظمة لمجموعة من التوقعات والوعود المتبادلة غير المكتوبة، أو أنه يعتمد على التزامات يعتقد العاملون أنها موجودة بينهم وبين المنظمة.
والإخلال بالعقد النفسي له آثار سلبية على كل من الفرد والمنظمة. لذا لابد من الاهتمام بأنشطة توفير المعرفة للعاملين بالمنظمة (سواء كانو عامين جدد/ أو عاملين قدامى)، والتعرف على توقعاتهم منذ المرحلة الأولى لعلاقة العمل، وفي كل مرحلة ومستوى وظيفي يتحرك إليه الفرد، بما يساعد العاملين على تكييف توقعاتهم وتحليل ذاتهم في ضوء ظروف العمل بالمنظمة، مع ضمان توفير وحداثة هذه المعرفة في ضوء المستجدات.
ثانيا: نظرية التوقع Expectancy Theory
وتقضي بأن دافعية الفرد نحو سلوك محدد وفي وقت معين يتوقف على تقديره لحجم العائد المتوقع، وأيضا توقعه بأن الجهد الذي سيبذله سيحقق له هذا العائد المتوقع، والذي أصبح عائدا مرغوبا فيه، وبالتالي سيفضل أن يبذل هذا الجهد. وبناء على ذلك، فإن الدافع على السلوك يأتي محصلة لعنصرين هما التوقع والتفضيل.
وهناك أربعة شروط يجب تواجدها حتى ينشأ السلوك المدفوع وفقا ونظرية التوقع:
- اعتقاد الفرد أن جهده سيؤدي إلى أداء مرغوب، ويشار لذلك بالتوقع.
- اعتقاد الفرد أن الأداء سيؤدي لنتائج مرغوبة.
- أن يشبع الناتج أو المكافأة حاجة هامة لدى الفرد (أي تكون القيمة المتوقعة لهذا الناتج كبيرة ومؤثرة).
- أن يكون إشباع الحاجة قويا وكافيا لتبرير الجهد المبذول، وتختلف قوة تفضيل عائد من فرد لآخر.
ويتم وضع القيمة التي يعطيها الفرد لعائد معين على مقياس يتدرج بين +1 أي مفضل جدا، و-1 أي غير مفضل على الإطلاق.
وعليه يمكن صياغة محصلة العقد النفسي ونظرية التوقع في المعادلة مادية تعكس مستوى الرضا عن الوظيفة:
الرضا عن العمل = عوائد العمل ÷ الجهد المبذول
وتتمثل عوائد العمل في المرتب + الحوافز + الترقية + المعاملة وكلما ناتج القسمة ≥ الواحد الصحيح كانت حالة الرضا عن العمل.
ولكن عندما يقارن الفرد ناتج معادلته والتي تساوي الواحد الصحيح بناتج معادلة زميله في العمل والتي بلغت 1.5 ويعتقد تساوي الجهد المبذول فيما بينمهما، نجده قد يشعر بعدم الرضا، وقد يفسر ذلك بعدم عدالة توزيع العوائد فيما بينهما.
من هنا نستطيع القول :
“أن الرضا عن العمل هو مجموع المشاعر الوجدانية التي يشعر بها الفرد نحو العمل وظروفه. وهذه المشاعر قد تكون إيجابية أو سلبية، فكلما كان هناك تطابق بين مدى إدراك الفرد للعمل وظروفه وبين ما يعتقده فيما يجب أن يكون عليه ذلك العمل وتلك الظروف كلما كانت مشاعر الفرد إيجابية وتحقق له الرضا والعكس صحيح. كذلك كلما تصور الفرد أن عمله يحقق له الإشباع المناسب لحاجاته كلما كانت مشاعره نحو العمل إيجابية وكان راضيا عن عمله وأيضا العكس صحيح“.
ويختلف الرضا عن العمل عن الانتماء التنظيمي في أن الأول تغير حركي يتغير بتغير خبرات الفرد بالعمل وبتغير خصائصه الذاتية، ويعكس رد الفعل السريع لجوانب معينة في بيئة العمل. أما الانتماء التنظيمي فيعبر عن الاستجابة السلوكية الإيجابية تجاه المنظمة ككل بصفة عامة والارتباط بها ككل
من ناحية أخرى، ماذا يحدث عندما يكون الفرد غير راضي عن العمل وفي نفس الوقت مازال مرتبط ومستمر به؛ أي لديه مستوى معين من الانتماء التنظيمي.
هنا يظهر ما يسمى في علم النفس بعدم التناسق الإدراكي؛ أي عدم تطابق إتجاه الفرد مع سلوكه، فهو يرغب في الاحتفاظ بالوظيفة رغم انخفاض الرضا عنها، واستمرار ذلك لفترة طويلة قد يجعل الفرد يدخل في شكل من أشكال سلوك التكيف لتقليل التوتر الناتج عن عدم الرضا، وعدم القدرة على ترك العمل. فما هي أشكال سلوك التكيف؟
- التكيف الإيجابي: بإعادة تقييم الفرد لنفسه، أو تغيير الظروف التي أوجدت لديه الرغبة في ترك العمل كمحاولة النقل إلى إدارة أو فرع آخر، أو الندب إلى وظيفة أخرى ذات مسئوليات وسلطات مختلفة.
- التكيف السلبي: عندما يتخذ شكلا من أشكال السلوك الانسحابي كتخفيض الأداء، الغياب، البطء في العمل، إشاعة السلبية والاحباط بين باقي أفراد العمل.
أعتقد الآن أنك تقول اللعنة على عملية الإدراك والتفسير الخاطئ للواقع الذي يدور حولنا. ولعلك تفكر الان في مفهوم الإدراك، وكيف تتم العمليات الإدراكية، وكيف نستفيد (الفرد/ المنظمة) من العمليات الإدراكية وتوظيفها لخدمة أهداف التغيير مثلا؟ فالفرد بطبيعته الانسانية دائما يطمح إلى ما هو أكثر وأفضل وأجمل وأسرع، لذلك فهو يقضي معظم حياته وهو يحاول تحسين كل شيئ لصياغة مستقبل أفضل، ويكمن مفتاح أدائه في عملية الفهم والإدراك بكل تعقيداتها وخفاياها
كل هذا سوف نتناوله في المقال القادم إن شاء الله تعالى.