لا يخلو أي عمل من الضغوط والتحديات بدرجات متفاوتة، خاصة في عالم يتسم بالتغيرات المستمرة التي تؤثر بشكل جوهري على بيئة العمل.
وقد يصبح العمل من المصادر الرئيسية للضغوط؛ فضغط العمل هو ظاهرة نفسية للشعور بعد الراحة الفكرية والقلق والتوتر الذي قد ينعكس بالسلب على أداء العاملين وقد ينتج عن عدة عوامل منها:
- صعوبة حل المشاكل القائمة وعدم السيطرة على الوضع الراهن.
- ضعف القدرة على التأقلم مع التغيرات.
- وجود درجة كبيرة من عدم التيقن وعدم إمكانية التكهن بالمستقبل.
وتتعدد أشكال وأسباب ضغط العمل، ولكننا سنركز في هذا المقال على الأسباب المتعلقة بوجود الكثير من العمل المطلوب إنجازه في وقت محدود، ظهور عوائق وتحديات جديدة لم تكن موجودة من قبل أو حدوث تغييرات جوهرية يترتب عليها تغيير أسلوب أداء العمل لإرضاء العملاء والتأقلم مع وضع جديد ومختلف.
ومن الطبيعي أن نتأثر بضغط العمل ونشعر بقدر من القلق والتوتر، ولكن لابد أن نحرض على ألا يخرج الأمر عن السيطرة بشكل يهدد صحتنا النفسية وقدرتنا على إنهاء عملنا بشكل صحيح أو يهدد مصلحة مكان العمل ككل.
ونوضح في النقاط التالية بعض الممارسات والنصائح للتعامل الفعال مع ضغوط العمل:
- وضع استراتيجية لتحديد الأولويات وخطة لتوزيع المهام:
إن النظر إلى العمل المطلوب إنجازه أو تحقيقه بشكل كامل خاصة إذا كان عمل ينطوي على قدر من التحدي أو الصعوبة قد يصيب بالإحباط. إلا أن القيام بتقسيم العمل الكبير لمهام صغيرة وتقييم كل مهمة على حدة يعد من الآليات الفعالة للتقليل من ضغط العمل. ومن هنا تتضح أهمية تحديد المهام التي لابد أن يتم وضعها على قائمة الأولويات، المهام التي من الممكن إلغاءها أو تأجيلها، رفض المهام التي تضيع من الوقت والجهد دون جدوى، تفويض أشخاص آخرين للقيام ببعض المهمات. ويساهم تقسيم العمل بهذا الشكل إلى تعزيز الشعور بالإنجاز عند الانتهاء من كل مهمة صغيرة على حدة. فوضع خطة عمل وتنظيم المهام بين الزملاء بشكل واضح يحد من ضغط العمل، لأن أكثر ما يمكن أن يحدث عند الضغط هو أن يتشوش الجميع في علمهم.
- الاستعداد والتخطيط الجيد لأوقات العمل المكثفة “Crunch Times”:
في ضوء معرفة كل موظف أو مدير لطبيعة العمل والفترات التي تزيد فيها طلبات العملاء أو عدد المشروعات والخطط المطلوب تسليمها على سبيل المثال “أوقات العمل المكثفة”، لابد من وضع خطة مسبقة لمثل هذه الأوقات لضمان أداء العمل بنجاح. ويتمثل هذا الاستعداد في اختيار الزملاء أو فرق العمل المناسبة مع دراسة إمكانية اللجوء إلي مصادر خارجية للعمالة في حال احتياج الأمر لذلك.
- اكتشف وسلط الضوء على القيمة التي تسعي لتحقيقها عند إنجاز العمل:
عندما تشعر بالقيمة الحقيقية لعملك أو للمهمة الصعبة المطلوب منك إنجازها، تزداد درجة حماسك للعمل وقدرتك على الإنجاز. فقد تكون أمامك مهمة لإحداث نقلة نوعية في مجال عملك لخدمة المزيد من العملاء أو النجاح في دخول في شراكات مع جهات مرموقة أو تطوير العمل لضمان استمرارية العمل في ظل التغيرات التكنولوجيا المتلاحقة وهكذا. فعندما تدرك قيمة وهدف المهمة أو المرحلة الصعبة التي تمر بها في عملك وتضع الهدف أمام عينيك قد يتغير إحساسك السلبي بالضغط وتعتبر تلك الفترة فرصة للنجاح والتطوير وليست عقبة. فتغيير نظرتنا إلي ضغوط وصعوبات العمل إلي نظرة بها قدر من التفاؤل واعتبار التحديات فرصة جديدة للنجاح وإثبات الذات مع عدم افتراض الأسواء يقلل من درجات التوتر بشكل كبير.
- التوقف عن التأجيل أو المماطلة:
أحياناً قد نتسبب في زيادة ضغوط العمل عندما نتعمد تأجيل البدء في الأعمال الصعبة خوفاً من مواجهة التحديات. فالتخلص من عادة التسويف للأعمال الصعبة والبدء في العمل بها وقبول التحدي يعد من الآليات الجيدة لتجنب المزيد من الضغط في العمل.
- الفصل بين ضغوط العمل ونمط الحياة اليومية:
لا يعني وجود الكثير من المهام والأعمال أن نضغط على أنفسنا وعلى الزملاء في العمل بشكل مبالغ فيه وأن نعمل دون توقف. فمن الأمور التي تمد فريق العمل بطاقة إيجابية أن يتم استقطاع وقت العمل لفترة قصيرة للراحة أو الترفيه أو تناول الطعام حتى في أوقات الضغط.
وإن كان الضغط مستمر لعدة أيام أو أسابيع، فينصح بعدم التفريط في الراحة من أجل العمل، فإن العمل الذي قد يتم إنجازه عند التفريط في النوم ليلا سيضيع الكثير من الأعمال التي من الممكن أن يتم إنجازها في اليوم التالي إن كان الشخص مرتاحاً.
- تجنب العصبية والشكوى المستمرة:
لابد وأن ندرب أنفسنا على تجنب العصبية والانفعالات الشديدة والقلق وأن نحاول أن نتسم بقدر من الهدوء للسيطرة على كل الأمور. فالقلق والعصبية لن يؤديا إلا لمزيد من الضغط والتشتت وقد يتسببا في حدوث مشكلات كبيرة بين الزملاء أو مع العملاء وشركاء العمل.
كما إن من أسوأ ما يمكن فعله عند وجود ضغط عمل هو الاستمرار في الشكوى والتذمر سواء في مكان العمل أو من خلا المكالمات الهاتفية الكثيرة والتي تعتبر من أهم عوامل تشتيت التفكير. لذلك فلابد من تجنب جميع الأحاديث والمكالمات التي قد تزيد من الضغوط وتشتت الذهن عن إنجاز العمل وايحاد الحلول.
- التعلم من الأخطاء السابقة وتوقع سيناريوهات مختلفة:
فإن القيام بمراجعة التجارب السابقة التي تعرضت فيها لضغط شديد في العمل وصعوبة في السيطرة على الوقت والمتطلبات يعد من الآليات الجيدة لاستخلاص دروس مستفادة وتجنب الوقوع في نفس الأخطاء مرة أخري. فبعد الانتهاء من حل أي مشكلة بنجاح؛ من الممكن أن يقوم فريق العمل بتسجيل الخطوات المتبعة التي ساعدت على حل المشكلة، للاستعانة بها في مواقف شبيهة.
ولابد وأن نتمتع بقدر من المرونة في الفكر وردود الأفعال وأن ننشر تلك الثقافة بين زملاء العمل. ولتحقيق ذلك، لابد من العمل بشكل غير نمطي وتوقع عدة سيناريوهات ووضع الخطط المناسبة لكل سيناريو مسبقاً.
- تطوير المهارات والقدرات من خلال التدريب والتعليم المتواصل:
لابد من الحرص علي تطوير مهارات العاملين بشكل مستمر في الأوقات العادية وفي أوقات الأزمات، لاكتساب المهارات الضرورية للتغلب علي ضغوط العمل. ومن أهم المهارات في هذا الشأن مهارات تنظيم الوقت، حل المشكلات، التواصل الفعال والعمل الجماعي، إدارة الأزمات وغيرها من البرامج.
- تعزيز روح العمل الجماعي وتجنب المنافسة السلبية:
تعد العلاقات الإنسانية داخل محيط العمل بين الزملاء وبين المديرين والمرؤوسين من أهم العوامل التي تؤثر علي نفسية العاملين وشعورهم بضغط العمل وعلي أداءهم. فلابد من الحرص علي تعزيز روح العمل الجماعي والعلاقات الإيجابية بين الموظفين وتجنب أشكال التنافس السلبي. فالحرص علي تقييم وتقويم سلوكيات الموظفين بشكل دقيق وتكوين فرق عمل ناجحة ومتعاونة يقلل بشكل كبير من التأثير السلبي لضغوط العمل غلي الموظف والمؤسسة ككل.
ختاماً، فإن ضغط العمل لا يمكن تجنبه ولكن من الممكن أن نتحكم في استجابتنا وتعاملنا معه ودرجة تأثيره علينا. الثقة في النفس والهدوء والتخطيط الجيد، يعد من أكثر العوامل التي تساعد على تخطي الضغوط والتغلب عليها وأداء العمل بنجاح.
ياسمين عمرو
باحث بالمعهد المصرفي المصري