ماهي أهمية اشتراك البنوك والمؤسسات المالية في البرامج المستهدفة لتعزيز التثقيف والوعي المالي لعملاء البنوك ومختلف فئات المجتمع من غير المتعاملين مع القطاع الرسمي؟ وهل تستفيد البنوك بشكل مباشر من هذه البرامج والمبادرات أما أن الفائدة تنصب بشكل أساسي على العملاء والفئات المستهدفة؟ هذه الأسئلة تشغل حيز كبير من تفكير القائمين على الاستراتيجيات التسويقية بالبنوك التي تسعي إلى تقديم المزيد من الخدمات المميزة لعدد أكبر من العملاء مع جني المزيد من الأرباح.
فعلي الرغم من وضع العديد من البنوك جهود التثقيف المالي في إطار الجهود المجتمعية المستهدفة بشكل أساسي الفئات المهمشة مثل الشباب والسيدات والمشروعات الصغيرة وأصحاب الدخول المنخفضة، إلا أن التجارب الفعلية أثبتت أن دعم الوعي المالي لا يفيد فقط العملاء والمجتمع بل له آثار إيجابية على الأعمال والنتائج التجارية للبنوك. علاوة على أن تلك الجهود لا يجب أن ترتكز فقط على أصحاب الدخول المنخفضة والفئات المهمشة بل على الجميع، فكل الفئات تحتاج لتعزيز الوعي والتثقيف المالي. هذا بالإضافة إلى وجود ترابط بين الاستخدام السليم والفعال للخدمات المالية المقدمة ودرجة الوعي والتثقيف المالي عند العملاء.
وتعرف الشبكة الدولية للتثقيف المالي بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التثقيف المالي باعتباره: “مزيج من الوعي والمعرفة والمهارات والسلوك والأسلوب اللازم لاتخاذ قرارات مالية سليمة على المستوى الشخصي”.
وتشير نتائج دراسة أعدتها شركة Raddon – A Fiserv Company الأمريكية أن 55% من المستهلكين بالولايات المتحدة الأمريكية يفضلون الحصول علي معلومات التثقيف المالي من البنوك أو المؤسسات المالية نفسها التي يتعاملون معها وتنخفض النسبة ل45% للحصول علي تلك المعلومات من المصادر الإلكترونية مثلYahoo Finance, Bankrate, Bloomberg,… و7% فقط يعتبرون القنوات التليفزيونية مصدرهم المفضل للتثقيف المالي.
ومن الممكن حصر أهمية تعزيز الوعي والتثقيف المالي بالنسبة للبنوك والمؤسسات المالية نفسها في النقاط التالية:
- زيادة قاعدة العملاء: تؤدي زيادة الثقافة المالية لدى الأفراد إلى اقبالهم على الاستفادة من المنتجات والخدمات المالية وبالتالي زيادة قاعدة العملاء لدى المؤسسات المالية.
- ارتفاع مستوي الإبداع والمنافسة: أخذا في الاعتبار قدرة الأفراد على تحديد احتياجاتهم المالية وثقتهم في إمكانية الوفاء بها، فمن المتوقع أن يبادر الأفراد بدفع مقدمي الخدمات المالية لتطوير منتجات تفي فعليا باحتياجاتهم مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الابداع والمنافسة في القطاع المالي والمصرفي.
- زيادة الودائع: فإن الأفراد من ذوي الثقافة المالية الجيدة يميلون إلى الادخار مما يؤدي إلى زيادة الودائع المتاحة للإقراض.
- – نسبة أقل من المخاطر: يمثل أصحاب الثقافة المالية نوعا من المقترضين الذين يتحملون المسئولية وتنخفض معدلات تعثرهم في السداد فكلما ارتفع حس المسئولية عند المقترض، كلما انخفضت مخاطر الائتمان التي تواجهها المؤسسات المالية مما يساهم بالتبعية في استقرار النظام المالي ككل.
- تعزيز القيمة المعنوية والعلامة التجارية للبنوك: اشتراك البنك في المبادرات التي تستهدف نشر الثقافة المالية والتكنولوجية لعملاء البنوك والفئات المهمشة التي لا تتعامل مع القطاع المالي الرسمي على حد سواء يحسن من صورة البنك أمام العملاء والمجتمع وأمام المستثمرين والمنظمات الدولية.
التحول الرقمي والصعوبات المالية تزيد من أهمية التثقيف المالي:
إن التحول الرقمي الذي يشهده قطاع الخدمات المالية، أحث تغيرات جذرية في أسلوب التعامل مع الأموال وإنفاقها وادخارها. ومع التطور التكنولوجي وتزايد نسب المتعاملين خاصة من الشباب مع الخدمات المصرفية عبر المواقع الإلكترونية أو تطبيقات ق المحمول، تزداد أهمية التثقيف والوعي المالي. هذا التوجه الذي سعت إليه البنوك والمؤسسات المالية في كل دول العالم خاصة في أعقاب أزمة فيروس كورونا المستجد للحد من الزحام والتعامل المباشر مع موظفي البنوك داخل الفروع. وعلى الرغم من أن هذه الحلول قد تبدو فعالة وسريعة إلا أنها تتطلب قدرة علي التعامل مع آليات التكنولوجيا الحديثة بأمان، وتلقي بعبء اتخاذ القرارات المالية بشكل كبير علي العميل دون وجود نصائح وتعامل مباشر مع موظفي البنك. الأمر الذي وضع المزيد من الضغوط على العملاء لاختيار المنتج أو الخدمة المناسبة من ضمن خدمات كثيرة يصعب التفرقة بينها، وذلك بالتزامن مع الحرص الشديد على الاستغلال الأمثل لمواردهم المالية في ظل الأزمات الاقتصادية التي تؤثر على الأعمال والوظائف.
ومن هنا يتضح أن استهداف العملاء بالمنتج المناسب في الوقت الصحيح وبالمعلومات المالية والإرشادات الواضحة والبسيطة يساهم في بناء علاقة طويلة الأمد وبناء الثقة بين العميل والبنك. من هنا لابد وأن تسعي البنوك إلى المشاركة في تقديم ودعم خدمات التثقيف المالي المصممة خصيصاً لكل فئة من فئات العملاء لتعزيز رضا وولاء العملاء؛ على أن يتم ذلك من خلال فرق عمل مدربة بشكل جيد ومن خلال الوسائل المختلفة كرسائل الهاتف المحمول، فيديوهات التوعية علي المواقع والتطبيقات الإلكترونية، منشورات التوعية، ندوات وجلسات توعية وزيارات منظمة للأماكن التي يتواجد بها العملاء والفئات المهمشة كالمصانع والجامعات والقري ومراكز الشباب وغيرها.
ياسمين عمرو
باحث بالمعهد المصرفي المصري