
د. نهى النحال
مدير البحوث المالية والمصرفية بالبنك الأهلي المصري
قطاع التخطيط الاستراتيجى والاستدامة
تُمثّل الحوسبة الكمية Quantum Computing تطورًا كبيرًا في عالم التكنولوجيا، إذ توفر أساليب مبتكرة لمعالجة مشكلات يصعب على الحواسيب التقليدية التعامل معها ومنها التعامل مع كم هائل من البيانات. ورغم وجود تحديات تواجه هذا النوع من الحوسبة، فإن التطور المستمر في هذا المجال يفتح الباب أمام مستقبل مليء بالابتكارات التي ستحدث تحولًا في أساليب العمل عبر العديد من المجالات، ومنها المجال المالي والمصرفى.
الفرق بين الحوسبة التقليدية والحوسبة الكمية
تعتمد الحواسيب التقليدية على وحدات البت Bits في تخزين البيانات ومعالجتها، وهي مبنية على نظام العد الثنائي Binary Numbers الذي يسمح للبت بأن يكون إما 0 أو 1. وبناءً على ذلك، تُترجم الأوامر إلى سلسلة متتابعة من البتّات تتم معالجتها لإنتاج المخرجات.
أما الحواسيب الكمية، فتستخدم وحدات البت الكمي Quantum Bits (Qubits)، والتي يمكن أن تتخذ أي قيمة بين 0 و1 في الوقت نفسه، وهي خاصية تُعرف بـ”التراكب”. وتمنح هذه الخاصية الحواسيب الكمية القدرة على معالجة كميات ضخمة من البيانات بشكل متوازٍ متفوقة بذلك على الحواسيب التقليدية. فعلى عكس الحاسوب التقليدي الذي يضطر إلى تنفيذ عملية حسابية منفصلة مع كل تغيير في أحد المتغيرات، يستطيع الحاسوب الكمي إجراء عدة عمليات حسابية لعدد كبير من المتغيرات في لحظة واحدة.
استخدامات الحوسبة الكمية في المجال المالى
1- تحسين المحافظ الاستثمارية Portfolio Optimization
الخوارزميات الكمية الخاصة بالحوسبة الكمية تُستخدم في تحسين المحفظة الاستثمارية، حيث يكون الهدف هو تحسين تخصيص الأصول الأمثل بحيث تقلل المخاطر وتزيد العائد. فتعمل الحوسبة الكمية على معالجة عدد كبير جدًا من التركيبات (combinations) في وقت أسرع من الطرق الكلاسيكية.
2- تسعير المشتقات المالية Derivative Pricing
تُستَخدم الحوسبة الكمية لتسريع محاكاة “سيناريوهات مستقبلية” بدقة أعلى ليتم التكن من تقدير أسعار للمشتقات المالية. فمن المزايا المهمة للمستثمرين تسعير المشتقات والسندات المتداولة أسرع من المشاركين الآخرين في السوق. فإن تسعير السندات والمشتقات باستخدام حاسوب كمي بدلاً من الطريقة التقليدية يمكن أن يُسهم في تقييم أكثر دقة، خاصةً للمشتقات المتداولة الأقل سيولة والسندات ذات هياكل الدفع وشروط العقود المعقدة. والسبب في ذلك هو إمكانية مراعاة المزيد من العوامل المؤثرة على الأسعار مقارنةً بالمحاكاة باستخدام الحواسيب الكلاسيكية. وتنشأ هذه الميزة خاصةً في المرحلة التي يتمتع فيها عدد محدود فقط من المشاركين بإمكانية الوصول الحصري إلى قدرات حسابية أسرع.
3- تعزيز تقييم المخاطر وكفاءة رأس المال Enhancing Risk Assessment and Capital Efficiency
يتم استخدام الحوسبة الكمية في تحليل المخاطر الائتمانية، مثل تقييم مخاطر الائتمان (credit risk) بشكل أسرع وأكثر دقة. وكذلك، يتم استخدام الحوسبة الكمية في تحليل اختبارات الضغط (stress testing) للمؤسسات المالية، حيث يمكن أن يتم الاستفادة من القدرات الكمية لمحاكاة سيناريوهات كثيرة ومعقدة، مثل تحليل تأثير صدمات الائتمان والسيناريوهات التي تنطوي على مبيعات سريعة للأصول لمعرفة كيف يمكن التعامل مع مثل تلك الاحداث.
4- التنبؤ بسلوك العملاء وتعزيز الاحتفاظ بهم Forecasting customer behavior and boosting retention
تُتيح الحوسبة الكمومية قدرةً جديدةً فعّالةً للتنبؤ بانخفاض عدد العملاء. فمن خلال الاستفادة من خوارزميات الكم، يُمكن للمؤسسات تحديد العملاء المُعرّضين لخطر ترك الخدمة بدقةٍ أكبر، واكتساب فهمٍ أعمق للأسباب الكامنة وراء ذلك. تُمكّن هذه القدرة التنبؤية المُعزّزة البنوك من وضع وتنفيذ استراتيجياتٍ أكثر فعاليةً للاحتفاظ بالعملاء، مما يُحسّن ولائهم ويحمي إيراداتهم.
5- التنبؤ بالأزمات المالية Predicting Financial Crashes
يمكن للحواسيب الكمومية أن تُحسّن تنبؤاتها بالأزمات المالية. يُعدّ هذا الموضوع بالغ الأهمية من منظورَي الاقتصاد الكلي والجزئي، ويُعدّ قضيةً محوريةً في دراسة استقرار الاقتصاد الكلي. تُعتبر إمكانية التنبؤ بالأزمات المالية على نطاق واسع منخفضةً ومعقدةً للغاية. إن تعدد الجهات الفاعلة المالية، وطبيعة السوق التي يصعب التنبؤ بها (التمويل السلوكي)، هما عاملان فقط يُسهمان في هذه الحقيقة، ولكن يمكن للحوسبة الكمومية أن تُساعد في حساب نماذج مُعقدة تأخذ في الاعتبار العديد من الجهات الفاعلة، وعمليات اتخاذ القرارات المُعقدة الخاصة بها، وعلاقاتها المُتبادلة مما يساعد على التنبؤ بالأزمات المالية.
6- تسوية المعاملات Transaction Settlement
تسوية المعاملات. تُعدّ مقاصة المعاملات إحدى حالات استخدام الحوسبة الكمومية. عادةً ما يكون هدف غرفة المقاصة تسوية أكبر عدد ممكن من المعاملات أو تعظيم القيمة الإجمالية للمعاملات المُسوّاة، ولكن هذه مشكلة تحسين صعبة نظرًا لمزيج من الأطر القانونية والخيارات الإضافية. ومع ذلك، إذا أمكن تسوية المزيد من المعاملات باستخدام حاسوب كمومي، فإن ذلك يزيد من كفاءة الأسواق.
7- الكشف عن الاحتيال: تحسين الدقة وتعزيز الأمن المالي
Fraud detection: Improving accuracy and strengthening financial security
يمكن للحوسبة الكمومية أن تُحسّن بشكل كبير من الكشف عن الاحتيال حيث يتم تحليل سريع ودقيق لمجموعات بيانات المعاملات الضخمة والمعقدة. ومن خلال تحسين دقة وسرعة تحديد الأنماط الغريبة المشبوه بها، وذلك يُمكن للبنوك اكتشاف الاحتيال مبكرًا وبدقة أكبر، مما يُقلل الخسائر المالية ويُعزز أمن المؤسسات والعملاء.
8- إعداد أبحاث السوق والتوقعات Market Research & Forecasting
يمكن لشركات الخدمات المالية استخدام الحوسبة الكمية للحصول على نتائج بحثية أكثر دقة وتفصيلاً، سواء كانت تبحث في سيناريوهات متعددة لظروف السوق أو تحاول التنبؤ باتجاهات المستهلكين، مما يساعد البنوك والمؤسسات المالية في اتخاذ قرارات استراتيجية مبنية على محاكاة أكثر دقة.
تحديات استخدام الحوسبة الكمية في المجال المالى والمصرفى
1- ارتفاع تكلفة البنية التحتية: إنشاء وتشغيل أجهزة الحوسبة الكمية يتطلب استثمارات ضخمة، مما يحد من اعتمادها في المؤسسات المصرفية.
2- غموض العائد الاستثماري: لا تزال الفوائد العملية غير مؤكدة مقارنة بالتكلفة، مما يجعل البنوك مترددة في التبني المبكر.
3- غياب الأطر التنظيمية: لا توجد حتى الآن قوانين أو معايير مصرفية واضحة تنظم استخدام الحوسبة الكمية.
4- صعوبة دمجها مع الأنظمة الحالية: الأنظمة المصرفية تعتمد على بنى تقليدية لا تتوافق بسهولة مع التكنولوجيا الكمية.
5- نقص الكفاءات البشرية: قلة المتخصصين في الحوسبة الكمية والمالية الكمية معاً تمثل عائقاً رئيسياً.



