
بقلم / إسلام الشريف
محلل استثمار في BDO Khaled & Co و محلل مالي معتمد من الهيئة العامة للرقابة المالية
مقدمة: التحول الرقمي واستراتيجيات البقاء التنافسية
في ظل التغيرات الجذرية التي يشهدها القطاع المالي عالميًا، تحوَّلَ التحول الرقمي من كونه رفاهيةً تكنولوجية إلى عنصرٍ حاسم لضمان استمرارية البنوك. يشير تقرير ماكنزي السنوي للقطاع المصرفي 2023 إلى أن 60% من أرباح البنوك العالمية بحلول عام 2025 ستأتي من الخدمات الرقمية، بينما تواجه البنوك التقليدية خطر فقدان ما يصل إلى 35% من حصتها السوقية لصالح المنافسين السباقين نحو التحول الرقمي إذا لم تُحدِّث استراتيجياتها.
التحديات الرئيسية في رحلة التحول الرقمي
- المنافسة مع شركات التكنولوجيا المالية (fintech):
تشهد الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية نموًا متسارعًا، حيث تستحوذ على حصة متزايدة من عائدات الخدمات المالية العالمية، وفقًا لتحليلات مالية حيث تُوجّه استثمارات ضخمة نحو قطاع التكنولوجيا المالية، مما يضع البنوك أمام خيارين: التسريع في تبني التحول الرقمي أو التخلف عن المنافسة.
- وفقًا لـ تقرير شركة ماكنزي، تستحوذ شركات التكنولوجيا المالية على 30% من إجمالي عائدات الخدمات المالية العالمية، مع نمو استثمارات القطاع إلى 150 مليار دولار في عام 2023.
- تُعد MNT-Halan (المعروفة سابقًا بـ Halan) في مصر واحدة من أسرع شركات التكنولوجيا المالية نموًا في الشرق الأوسط، حيث تجمع بين خدمات النقل والتمويل الرقمي.
2. تكاليف التحديث التكنولوجي:
تتطلب البنية التحتية الرقمية استثماراتٍ كبيرةً من البنوك، لا سيما في مجالات مثل أنظمة الدفع الإلكتروني وتقنيات تحليل البيانات. تُظهر دراسات أن البنوك التي تتأخر في تحديث أنظمتها تواجه ارتفاعًا في التكاليف.
- تشير Boston Consulting Group (BCG) إلى أن البنوك تحتاج إلى تخصيص 20% من إيراداتها السنوية للاستثمار في البنية التحتية الرقمية، مثل أنظمة الدفع الإلكتروني وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
- وفقًا لـ دراسة أجرتها Deloitte، فإن البنوك التي تتأخر في التحديث الرقمي تُنفق 30% أكثر على العمليات التشغيلية مقارنةً بالبنوك الرقمية.
3.تغيير سلوكيات العملاء:
يفضّل أغلب العملاء، خاصة في الأسواق الناشئة، إتمام المعاملات المصرفية عبر القنوات الرقمية، مما يفرض على البنوك تبني منصات سهلة الاستخدام وآمنة.
- يكشف استطلاع أجرته شركة Accenture أن 75% من العملاء في الأسواق الناشئة يفضلون إتمام جميع المعاملات المصرفية عبر الهاتف المحمول، مما يدفع البنوك إلى تبني منصات سهلة الاستخدام.
دور التحول الرقمي في جذب الاستثمارات وتعزيز عمليات الدمج
أصبحت الكفاءة الرقمية معيارًا رئيسيًا لتقييم جاذبية البنوك، سواء للمستثمرين أو في عمليات الدمج والاستحواذ، وذلك بسبب:
- زيادة القيمة السوقية:
تحقق البنوك الرقمية المتقدمة عوائد مالية أعلى مقارنةً بالبنوك التقليدية، وهو ما ينعكس إيجابًا على تقييماتها السوقية وقدرتها على جذب المستثمرين. على سبيل المثال، حققت بعض البنوك الآسيوية التي استثمرت مبكرًا في الحلول السحابية (Cloud Solutions) قفزاتٍ كبيرةً في قيمتها السوقية، متفوقةً على منافسيها التقليديين.
- وفقًا لـ تقرير ماكنزي، تحقق البنوك الرائدة في التحول الرقمي عائدًا على حقوق المساهمين (ROE) أعلى بنسبة 15% مقارنةً بالبنوك التقليدية.
2.عمليات الدمج لتعويض الفجوات التكنولوجية:
تلجأ البنوك إلى عمليات استحواذ استراتيجية على شركات التكنولوجيا المالية الناشئة لتعزيز قدراتها الرقمية، مثل منصات الدفع الإلكتروني أو حلول الائتمان الرقمي. شهدت مناطق مثل الشرق الأوسط وأوروبا عمليات دمجٍ كبيرة بين البنوك وشركات التكنولوجيا، مما ساهم في خفض التكاليف وزيادة الكفاءة.
- وفقًا لـ تقرير Financial Times، شهدت منطقة الشرق الأوسط عمليات استحواذ بقيمة إجمالية تُقدَّر بـ 2.5 مليار دولار في 2023، معظمها لشركات التكنولوجيا المالية.
3. إدارة المخاطر عبر الأدوات الذكية:
تُسهم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي في تحسين تقييم المخاطر الائتمانية، مما يقلل من معدلات التخلف عن السداد ويعزز ثقة المستثمرين حيث تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل كميات هائلة من البيانات (مثل تاريخ الدفع، الإنفاق الشهري، النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي) للتنبؤ باحتمالية تخلّف العميل عن السداد بدقة أعلى من النماذج التقليدية. على سبيل المثال بنك Goldman Sachs يستخدم نموذج Marcus المدعوم بالذكاء الاصطناعي لتقييم طلبات القروض الشخصية في دقائق، مع دقة تصل إلى 95%.
وكلك أدت تبني تقنيات سلسلة الكتل (Blockchain) في تسوية المعاملات الدولية إلى خفض التكاليف بنسبٍ كبيرة، مما يعزز الجدوى المالية للعمليات المصرفية المعقدة حيث تعمل تقنية Blockchain على تسجيل المعاملات في دفتر حسابات رقمي مشترك وغير قابل للتعديل، مما يلغي الحاجة إلى وسطاء مثل البنوك المقاصة.
- تُظهر دراسة ماكنزي أن استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم المخاطر الائتمانية خفض معدلات التخلف عن السداد بنسبة 20% في بعض الأسواق الناشئة.
- وفقًا لـ تقرير IBM، خفضت تقنية Blockchain تكاليف تسوية المعاملات الدولية بنسبة 40% في البنوك التي تبنتها.
استراتيجيات ناجحة لتعزيز التحول الرقمي في القطاع المصرفي
- اعتماد البنية التحتية السحابية (Cloud Infrastructure):
هي مجموعة من الموارد الحاسوبية الافتراضية أو المادية (مثل الخوادم، التخزين، الشبكات، أنظمة التشغيل) التي تُقدَّم عبر الإنترنت من خلال مزودي الخدمات السحابية (مثل AWS، Microsoft Azure، Google Cloud). تُدار هذه الموارد عن بُعد، مما يلغي الحاجة إلى امتلاك بنية تحتية مادية داخل المؤسسة وتعمل بنموذج الدفع حسب الاستخدام (Pay-as-you-go)، حيث تدفع المؤسسة فقط مقابل الموارد التي تستخدمها.
تُسرع الحلول السحابية تطوير الخدمات المصرفية الجديدة، حيث تتيح مرونةً عاليةً في إدارة الموارد وتقليل وقت إطلاق المنتجات.
- وفقًا لـ Gartner، تعتزم 80% من البنوك العالمية زيادة استثماراتها في الحوسبة السحابية بنسبة 30% بحلول 2025.
- قامت مجموعة “إي فاينانس” في عام 2022 بتوقيع إطلاق أول وأكبر منصة متكاملة للحوسبة السحابية فى مصر بشراكة وحضور وتوقيع 13 شركة عالمية رائدة فى التكنولوجيا وخدمات الاستضافة على مستوى العالم، حيث يتضمن المشروع الأول من نوعه فى مصر مشاركة كل من F5, Redhat, Huawei, Pure storage, Dell, IBM, Cisco, VMware, Commvault, BMC, Fortinet, Paloalto & Citrix
2. الشراكات مع شركات التكنولوجيا المالية:
تعتمد البنوك على الشراكات مع الشركات الناشئة لتقديم خدمات مبتكرة، مثل القروض السريعة أو حلول الادخار الذكية، مما يعزز ولاء العملاء.
- وفقًا لـ تقرير CB Insights، أطلقت 65% من البنوك الكبرى شراكات مع شركات التكنولوجيا المالية في 2023 لتقديم خدمات مثل القروض الفورية والتأمين الذكي.
التوجهات المستقبلية: نحو نموذج مصرفي جديد
- الاعتماد على الذكاء الاصطناعي التوليدي:
هو نوع من الذكاء الاصطناعي قادر على إنشاء محتوى جديد (نصوص، صور، فيديوهات، أكواد برمجية) بناءً على البيانات التي يتعلم منها. ستُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة لتخصيص الخدمات المالية وفقًا لاحتياجات كل عميل، مما يعزز التجربة المصرفية الفردية.
- وفقًا لـ تقرير شركة IDC، سترتفع استثمارات البنوك في الذكاء الاصطناعي التوليدي بنسبة 35% سنويًا حتى 2027، لدعم خدمات مخصصة لكل عميل.
- وقع البنك الأهلي المصري وشركة ماستركارد اتفاقية تعاون لاستحداث خدمة الموظف او المساعد الرقمي ” Digital Human” لإدارة المعاملات غير المالية للعملاء وتقديم خدمات وتجربة رقمية فائقة الجودة بشكل افتراضي والمدعومة بالذكاء الاصطناعي لتحسين تجربة الخدمات المصرفية الرقمية بشكل فريد من نوعه.
2. التوطين التكنولوجي:
هو عملية تطوير أو تكييف التكنولوجيا لتلبية الاحتياجات المحلية لبلد أو منطقة معينة، سواءً من خلال تصميم حلول رقمية مخصصة، بناء بنية تحتية تكنولوجية محلية و تشجيع الابتكار المحلي. في مناطق مثل الشرق الأوسط، تُعزز الحكومات تبني الحلول الرقمية المحلية، مما يدعم البنوك في المنافسة الإقليمية والعالمية.
- في الإمارات، تشجع استراتيجية الاقتصاد الرقمي 2031 على تبني حلول دفع رقمية محلية، مما يعزز حصة البنوك الإقليمية في السوق العالمية، وفقًا لـ تقرير مركز دبي للمستقبل.
الخاتمة:
بحلول 2030، قد تشهد البنوك اندماجًا كاملًا مع التكنولوجيا، حيث تصبح الخدمات المالية جزءًا من منظومة رقمية شاملة تُدار بالكامل عبر الذكاء الاصطناعي وفي ضوء استراتيجية البنك المركزي المصري للتكنولوجيا المالية والابتكار – التي تستهدف تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة التكنولوجيا المالية والابتكار عربيًا وإفريقيًا أطلقت مبادرة رواد التكنولوجيا المالية بالتعاون مع البنك المركزي برامج تدريبية لتمكين الكوادر الشابة من مهارات التحول الرقمي، تماشيًا مع توجّهات الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي.