جيهان فتحى – مستشار الموارد البشرية
السير الذاتية ، تلك الأوراق التى تلخص مسارنا الوظيفى و الخلفية التعليمية و العملية و تسرد المهارات و التطوير، و كذلك تتضمن الإنجازات الخاصة بنا، و هى بمثابة تذكرة تحجز لنا مقابلات شخصية و تساهم فى إجتيازنا لتلك الإختبارات من أجل الحصول على الوظيفة التى نحلم بها ، فالسير الذاتية منذ وقت لا يمكن تذكره هى بطاقة التعارف التى تعبر بنا البوابة الأولى فى طريق الحصول على الوظيفة التى نتقدم لشغلها، و قد تطورت نماذج و طرق كتابة السير الذاتية عبر السنوات، و إختلفت من حيث ترتيب المعلومات و شكل تقديم الإنجازات، و إبراز نقاط القوة فى المسار المهنى لصاحب السيرة الذاتية . ومن ثم أصبحت حجز الزاوية فى الإختيار والتعيين والتي يعتمد عليها كلا من المتقدم للوظيفة، وكذلك مسئولي التوظيف بالشركات لإختيار المرشح المناسب للعمل بها.
إلا أنه مع التطور الذى تواكبه الموارد البشرية فى كل أنشطتها والذى يتزامن مع التحديات الاقتصادية، و زيادة المنافسة بين المؤسسات لإجتذاب المواهب من ناحية، و كذا زيادة تطلعات المتقدمين للعمل للحصول على أفضل الرواتب و المزايا الممكنة من ناحية أخرى ، كان ولابد أن يمس ذلك السير الذاتية كأحد الركائز الأساسية للتعيين ، و قد ظهر ذلك فى إعتماد 45% من الشركات على بيانات منصة التوظيف الشهيرة “لينكد إن” و تحديدا البيانات المتعلقة بالمهارات ، كما أظهرت بعض المقالات إتجاه كبرى الشركات للإستخدام تطبيقات و إختبارات خاصة بتقييم الموظفين دون الإعتماد على السيرة الذاتية، و ذلك بسبب لجوء بعض المرشحين لإستخدام الذكاء الإصطناعى فى عمل السير الذاتية الخاصة بهم، مما لا يعكس بالضرورة الخبرات الحقيقة الخاصة بالمرشح للوظيفة.
وقد تعالت بعض الأصوات فى إستخدام بدائل أخرى للسير الذاتية تجعل الموظفين ينبضون بالحياة أكثر من كونهم مجرد جزء من آلة أو نظام، حيث تتضمن هذه البدائل تفاصيل أكبر عن مجالات عديدة لها علاقة بالمرشح للعمل، وهذه البدائل منها البورتفوليو (Portfolio) أو الملفات الرقمية، والتي تتضمن جميع أنشطة المرشح للعمل متضمنة تفاعله مع منصات التواصل الإجتماعى ومهاراته وجداراته ونقاط القوة ونقاط التطوير على المستويين المهني والشخصي.
و السؤال المطروح هنا هو “هل إنتهى عصر السير الذاتية ؟” ، انقسم فريقين ما بين مؤيد و معارض ، فالفريق المؤيد لعدم فاعلية السير الذاتية فى التعيين يبرر ذلك فى عدة أسباب منها أنها تحتوى على تفاصيل كثيرة ليست مطلوبة و من ثم قرائتها تتسبب فى ضياع الوقت ، وفى بعض الأحيان تفتقر السير الذاتية للتفاصيل الهامة مثل الجدارات المطلوبة لشغل الوظيفة ،و التي لا يمكن قياسها من خلال السير الذاتية ، كما يمكن ألا تحتوى على تفسير لمراحل المسار الوظيفى لصاحبها مما يتسبب فى حدوث بلبلة أثناء المقابلة الشخصية عند المناقشة مع صاحب السيرة الذاتية، كما أنها لا تضم أى عنصر إبهار أو تأثير على مسئول التوظيف أو تفسير لأمور قد تبدو فى غير صالح المرشح للوظيفة ، وأخيرا و ليس آخرا فإن السير الذاتية لا تدعم فكرة التنوع فى التعيين لأنها توجه مسئول التوظيف نحو إختيار المرشحين المتشابهين دون الإنتباه إلى ان التنوع فى الجدارات ينتج عنه مستوى أداء متميز عند توجيهه بشكل متناغم، و هو ما يفقد المرشح فرصته فى التعيين ويضيع على المؤسسة فرصة إجتذاب المواهب.
إلا أن الفريق الثاني والمعارض لفكرة عدم جدوى الإعتماد على السير الذاتية فى التعيين فإنه لا ينكر كل ما سبق ولكن يوصى بإصلاحه وتطوير أساليب وطرق كتابة السير الذاتية بدلا من الإستغناء عنها تماما، حيث أنها تساعد على تضييق نطاق البحث عن المرشح المناسب فى حدود متطلبات الوظيفة، ومن ثم توفير الوقت والجهد. كما أنها ما زالت تعتبر الأساس التى تبنى عليه أسئلة واتجاه المناقشة أثناء المقابلة الشخصية، وخاصة المقابلات المبنية على تقييم الجدارات.
وتجدر الإشارة إلى أن بعض الدول بدأت فى الاعتماد على الإنسان الآلي وبعض أدوات الذكاء الاصطناعي في عملية التوظيف، مع مراجعة السير الذاتية للمرشحين ولكن دون الإعتماد عليها بشكل أساسي، كما أن أنظمة التقيييم الشخصى واختبارات تقييم الجدارات يمكنها أن تتنبأ بمستوى ونوع أداء المرشح للوظيفة فى حين أن السير الذاتية لا يمكنها ذلك.
كما يرجح بعض الخبراء على وجود ثلاثة أسباب رئيسية قد تؤدى إلى تضاؤل دور السير الذاتية فى التوظيف وهذه الأسباب هى إجتـذاب المواهــب المعروفـــة من ذوى الخبرة فى مجالات محددة بعينها ، حيث أنه تم تقييم المدة التى يكون فيها الموهوبين متاحيين فى سوق العمل بـ 10 أيام فقط و بعدها يتم إجتذابهم للعمل بالمؤسسات، و من ثم فإن السيرة الذاتية لا تلعب دورا هاما نتيجة ثقل مهارات المرشحين و خبراتهم المعروفة بالفعل، و السبب الثانى هو التوقعات بإختفـــاء 85% من الوظائــــف المتعارف عليها و ذلك بحلول نهاية عام 2025 فى الدول الكبرى و الذى يجعل التعيين بناءا على الخبرة السابقة غير ذات جدوى ، أما السبب الثالث فهو تزايد أهمية توافر 3 عناصر فى أى مؤسسة و هم “DE&I” Diversity, Equity & Inclusion) ) التنوع و المساواة و الشمول ، و هو ما لا يدعمه الإعتماد فى التعيين على السير الذاتية.
إلا أنه وفى النهاية، يتبقى عزيزى القارىء أن تجد الإجابة بنفسك ” فهل أنت من مؤيدى الإستغناء عن السير الذاتية كأساس التعيين والاستعانة بوسائل أخرى، ام أنك من المعارضين والذين يصرون على تطوير السير الذاتية لتصبح أكثر فاعلية بدلا من الإستغناء عنها تماماً؟” فالأمر متروك لك، ولكل العاملين بمجال التوظيف للإجابة على هذا السؤال، و في حالة الإجابة بنعم فهل يمكن توقع التوقيت لذلك، والذى يعتبر مرهون بإستقدام التكنولوجيا البديلة و إستيعاب تلك المفاهيم و إدماجها فى ثقافات المؤسسات و تطبيقها على نطاق واسع ….. فقد بدأ التغيير وهو قادم ليبقى.