بقلم: جيهان فتحى – مستشار الموارد البشرية
مع تصاعد وتيرة الحفاظ على البيئة والتركيز الذي توليه جميع المؤسسات على تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومن ثم توجيه جميع الأنشطة والمجهودات نحو المساهمة فى بيئة أفضل من خلال إعادة تسمية بعض الأنشطة ليرتبط إسمها باللون الأخضر الذي يرمز للحفاظ على البيئة، فبدأت تظهر مصطلحات مثل الإقتصاد الأخضر والصناعة الخضراء والصيرفة الخضراء والتجارة الخضراء والمحاسبة الخضراء وأيضا الموارد البشرية الخضراء.
بالرغم من ظهور مفهوم “إدارة الموارد البشرية الخضراء” فى عام 1996 إلا أنه تنامى الأحتياج لهذه المنهجية منذ عام 2015 مع إعلان الأهداف الـ 17 للتنمية المستدامة، إلا أنه بدأ فى الإنتشار بصورة أكبر بسبب الظروف الإقتصادية التى يواجهها العالم بسبب عدة تحديات متمثلة فى جائحة كورونا والحرب الاوكرانية الروسية وتبعياتها على الدول المختلفة.
ويستند مفهوم إدارة الموارد البشرية الخضراء على مزج أنشطة الموارد البشرية مع أنشطة الحفاظ على البيئة، وذلك في شكل أنشطة ومبادرات تهدف إلى أن تساهم سياسات وممارسات الموارد البشرية فى نتائج صديقة للبيئة من خلال تشجيع وتحفيز جميع الموظفين لالتزامهم بدعم الممارسات المستدامة مما يزيد من تحقيق المؤسسة لدورها فى التنمية المستدامة.
و من أجل تطبيق مفهوم إدارة الموارد البشرية الخضراء ، يجب أن يتم إعادة صياغة الإطار التى تعمل من خلاله مختلف أقسام وأنشطة و مبادرات الموارد البشرية و التى تكون المحصلة النهائية لها جميعا هو المحافظة على الأداء البيئى للمؤسسة ككل.
و تشمل إعــادة صيــاغة أقســـام و أنشطــة إدارة المــوارد البشــريــة الخــضــراء العديد منها على سببيل المثال و ليس الحصر: تصميم و توظيف الوظائف الخضراء Green Job Design و الذى يتضمن تحليل الوظائف المتعارف عليه مع الأخذ فى الإعتبار البعد البيئى لكل الوظائف من خلال ما يمكن أن تقدمه هذه الوظائف للحفاظ على البيئة ، فيتم إعادة صياغة الوظائف بحيث يكون الوصف الوظيفى ينص على أهمية الحفاظ على البيئة فضلا عن تضمينها لكفاءات و مهارات و جدارات للقوى العاملة سواء المعينة بالفعل أو التى سيتم تعيينها بحيث تتسق مع إتجاه تزايد الأداء البيئى المجمع للمؤسسات.
التوظيف الأخضر Green Recruitmentهو مفهوم أنتشر تطبيقه تزامنا مع جائحة كورونا حيث إشتمل على رقمنة إعلانات الوظائف على مواقع السوشيال ميديا و المواقع الإلكترونية المتخصصة بدلا من إعلانات الجرائد أو الإعلانات الورقية ، كما تتطلب تطبيق التباعد الإجتماعى أثناء جائحة كورونا إلى أن يتم عقد مقابلات العمل من خلال المنصات التى تتيح عقد المقابلات عبر الفيديو مثل زووم و مايكروسوفت تييمز و الذى يؤدى إلى نتائج فعالة بالإضافة إلى التوفير فى إستخدام الأوراق و الوقت و المجهود و عدم تأثير التباعد الإجتماعى على جهود التوظيف.
التدريب و التطوير الأخضرGreen Training and Development و هو ما ينطوى على عدة محاور منها أهمية نشر الوعى بمسئولية الحفاظ على البيئة من خلال ممارسة جميع الأنشطة “صديقة البيئة” التى تتم سواء على مستوى المؤسسة و فرق العمل والموظف ، بالإضافة إلى ربط جميع المواد التدريبية بالمعايير الخضراء و طرق تطبيقها من خلال الدورات التدريبية و المواد التدريبية ، أيضا إستخدام أساليب مختلفة للتدريب مثل التدريب الإفتراضى أو إستخدام منصات التعلم عن بعد بجانب اساليب التدريب المعتادة، و هى بعض أمثلة للممارسات مؤداها الحفاظ على البيئة من خلال توفير إستخدام الأوراق و إلغاء حاجز المسافات بين المدرب و المتدربين و توفير النفقات.
إدارة المكافآت الخضراءGreen Reward Management و التي من شأنها أن يتم ربط المكافآت و المزايا بتطبيق المعايير الخضراء مما يسهم في تشجيع الموظف على استخدام الأساليب التي من شأنها زيادة مستوى الأداء البيئي للمؤسسة ككل.
ويعتبر التحول الرقمي لأنشطة الموارد البشرية من خلال الأنظمة المتكاملة لرقمنة الموارد البشرية هو أحد الركائز الأساسية لإدارة الموارد البشرية الخضراء حيث أن التحول الرقمى يسهم بشكل مباشر فى تخفيض التكلفة وعدم إستخدام الورق وتقليل نسب الأخطاء وتوفير الوقت والجهد، وهو ما ينصب بدرجة مباشرة فى فعالية الأداء البيئى للمؤسسة التى تقوم برقمنة عمليات وأنشطة الموارد البشرية داخلها.
و يأتى ربط أداء المؤسسة بإدارة الأداء الخضراء Green Performance Management متوجاً لكل هذا الجهود و ذلك من خلال تضمين معايير أداء تنص على المحافظة على البيئة و تؤكد على إلتزام الموظفين على كافة المستويات بإتباع تطبيق العايير الخضراء
و قد حدد الخبراء فوائد تطبيق مفهوم إدارة الموارد البشرية الخضراء مثل مساعدة الشركات على خفض التكاليف دون فقدان المواهب من العاملين بالمؤسسات، وأن تحظى المؤسسات بفرص نمو هائلة من خلال كونها خضراء وخلق بيئة ودية جديدة مما يساعد في تحقيق وفورات تشغيلية هائلة عن طريق تقليل انبعاثات الكربون ، المساهمة في تحقيق الرضا والالتزام الوظيفي للموظفين مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية والاستدامة ، نشر الوعى المجتمعى البيئي، وخلق ثقافة الاهتمام برفاهية وصحة العاملين ، تحسين الصورة العامة للمؤسسة من خلال نشر الفعاليات التى تساهم فيها المؤسسات لخلق علاقات عامة و صورة ذهنية إيجابية للمؤسسات، أيضا زيادة في جذب موظفين أفضل ذو دراية و وعى و على مستوى ثقافى عالى فيما يتعلق بدور المؤسسات فى تحقيق الإستدامة ، تعظيم الأثر البيئي الإيجابى للمؤسسة ، تحسين القدرة التنافسية وزيادة الأداء العام ، تخفيض تكلفة المرافق بشكل كبيرمن خلال استخدام تقنيات موفرة للطاقة وأقل هدرًا ، الحسومات والمزايا الضريبية التى تقدمها بعض الحكومات للمؤسسات التى تلبى المعايير الخضراء ، زيادة فرص البيع من خلال تشجيع العملاء على شراء المنتجات و الخدمات التى تقدمها الشركات الأكثر حرصا على تلبية المعايير الخضراء فى كل عملياتها الداخلية وهو شرط ضرورى فى الدول الأجنبية لإستمرار المؤسسات فى العمل داخل الأسواق
إلا أنه على الجانب الآخر تعانى المؤسسات من بعض العيوب مثل إرتفاع التكاليف الأولية لتطبيق مفهوم إدارة الموارد البشرية الخضراء و الذى يتمثل فى تحويل العمليات و الأنشطة إلى تلك التى تلبى المعايير الخضراء ، أيضا خلق منافسة غير متكافئة ما بين المؤسسات الكبرى القادرة على تلكفة التحول للمعايير الخضراء مقارنة بالمؤسسات المتوسطة والصغيرة، أيضا عدم إهتمام الموظفين فى بعض المجتمعات التى لا تولى أهمية كبرى للمشاكل البيئية بسبب المشاكل الداخلية الإقتصادية بالإضافة إلى عدم وجود وعي بالآثار الناجمة عن ذلك فى المستقبل.
و فى كل الأحوال سوف يختلف الإطار الذى ستعمل من خلاله إدارة الموارد البشرية الخضراء بسبب الثقافة و حجم المؤسسة و طبيعة المجال و حجم العمالة و القوانين الملزمة داخل كل دولة ، إلا أن هناك حاجة ملحة لدراسة تطبيق مثل هذا المفهوم نظراً لتسارع وتيرة الأحداث و السبق التى تحققه الدول التى قامت بتطبيق هذا المفهوم و الذى سيؤدى إلى نتائج أفضل فى المستقبل و الذى من شأنه أن يفيد الأجيال القادمة فى تحقيق إستدامة الموارد بل و تناميها لضمان الإستمرار والرخاء.
و تجدر الإشارة إلى أن مصر ستقوم بإستضافة القمة العالمية للمناخ COP27 و ذلك فى نوفمبر 2022 حيث ستتجه أنظار العالم كله إلى شرم الشيخ مكان عقد المؤتمر والذى ستتم من خلاله إجتماعات و ندوات و مناقشات لوفود مختلف الدول من أنحاء العالم حول تطبيق المعايير الخضراء فى كافة نواحى مجالات الأعمال ، و من ثم لا يعتبر إدارة الموارد البشرية الخضراء مفهوم غريباً على العاملين فى المجال ، و لن يطول الوقت قبل أن يصبح من المهم تطبيق هذا المفهوم تماشيا مع الإتجاه العالمى لتحقيق التنمية المستدامة و الذى بدات تسعى إليه جميع دول العالم لضمان جودة الحياة لمختلف الشعوب.