في المقال السابق تحدثنا عن التأثير الإيجابي لتعزيز الوعي المالي لمختلف فئات المجتمع على أداء وعمل البنوك والمؤسسات المالية، وأهمية اشتراك البنوك في مبادرات التثقيف المالي مما يعود بالنفع على العملاء والفئات المستهدفة من ناحية وعلى البنوك نفسها من ناحية أخري.
وتنشغل المؤسسات المالية عالمياً بقضايا الشمول والتثقيف المالي، وفي هذا المقال نستعرض تجربة من التجارب الناجحة عالميا في مجال تعزيز التثقيف والوعي المالي في القطاع المصرفي الكندي وفقا للبيانات والتقارير التي نشرتها جمعية المصرفيين الكنديين[1] Canadian Bankers Association في مطلع عام 2021.
وللتعرف على مدي اهتمام البنوك الكندية بالتثقيف المالي لابد وأن نشير إلى أن التعامل مع البنوك يعد جزءاً أساسياً من الحياة اليومية لكل فئات الشعب في كندا، فأكثر من 99% من البالغين لديهم حساب مصرفي ويتعاملون يومياً مع البنوك للحصول على المشورة المالية لمساعدتهم على الادخار، شراء المنازل، البدء في الأعمال التجارية والتخطيط للتقاعد.
وقد شهدت استثمارات البنوك في برامج ومبادرات محو الأمية المالية قفزة كبيرة، حيث بلغت تلك الاستثمارات 9.5 مليون دولار عام 2015 بزيادة نسبتها 280% مقارنة باستثمارات عام 2010.
وتقدم البنوك لعملائها وللعملاء المحتملين حزمة ثرية من المواد التعليمية، المعلومات، الأدوات والخدمات الخاصة بالخيارات المالية. إلا أن التزام البنوك بنشر التثقيف المالي يتخطى مجرد تقديم المشورة والنصائح المالية، فالبنوك في كندا لها دور رائد في دعم أنشطة التثقيف المالي في المجتمع ككل وذلك من خلال:
- تقديم الدعم المادي والمتطوعين لتنفيذ برامج التثقيف المالي في كافة أنحاء البلاد.
- تصميم برامج وخدمات تثقيف مالي خاصة بعملائهم وبالعامة.
- تقديم الدعم المادي والتطوعي لوكالات الاستشارات الائتمانية الغير هادفة للربح.
انطلاقا من الإدراك الكامل للبنوك الكندية بأهمية تقديم المعلومات والأدوات اللازمة للشباب لتعزيز وعيهم ومعرفتهم بالأمور الخاصة بإدارة الأموال، تتبني البنوك في كندا متعاونة معاً تقديم حلقات دراسية غير هادفة للربح منذ عام 1999 تحت مسمي Your Money Students يتعلم من خلالها شباب الطلاب مبادئ الادخار والتخطيط المالي وإعداد الميزانية الشخصية وكيفية حماية الأموال. وفي عام 2019 قامت جمعية المصرفيين الكنديين بتطوير وتحديث هذا البرنامج من خلال الآليات والتطبيقات التكنولوجية الحديثة والفيديوهات التفاعلية لضمان توصيل المعلومات بشكل أفضل وأسرع وضمان مزيد من التفاعل من جانب الطلاب. وقد تم تقديم ما يزيد عن 8500 حلقة دراسية لما يزيد عن 260 ألف طالب.
ويتم تقديم نفس البرنامج للفئات الأكبر سناً تحت مسمي Your Money Seniors الذي يضم موضوعات مثل إدارة الأموال والتخطيط للتقاعد وتجنب الاحتيال والاستغلال المالي.
كما تقدم البنوك مجموعة واسعة من البرامج والمبادرات الداعمة للتعليم المالي والمعدة خصيصاً لكل فئة على حدة بما يناسب احتياجاتها وتتضمن تلك الفئات:
- الأطفال الصغار وأسرهم ومعلمين المدارس وذلك من خلال وسائل تعليمية ترفيهية ومبسطة.
- رواد الأعمال من خلال برامج تساعدهم على البدء في الأعمال التجارية، دراسة السوق وتنظيم الأمور المالية.
- أصحاب الهمم من ذوي الاحتياجات الخاصة من خلال مساعدتهم على القيام بالأعمال اليومية ببساطة من تعاملات مصرفية وتسوق واستخدام وسائل المواصلات وغيرها.
تعزيز محو الأمية الرقمية والتعامل مع الأزمات:
لمساعدة جميع فئات المجتمع على التواصل والتعامل بسهولة مع الخدمات والمعلومات عبر الإنترنت والوسائل التكنولوجية، تنظم جمعية المصرفيين الكنديين مبادرات لمحو الأمية الرقمية أو التكنولوجية لكبار السن الذين لا يستخدمون الإنترنت وغيرهم من الفئات التي تجد صعوبة في استخدامه والتعامل مع خدماته المختلفة (وتشير بيانات عام 2015 أن 9% فقط من الكنديين ليس لديهم اشتراك منزلي في الإنترنت معظمهم من الفئة العمرية فوق ال 55 عام).
فإتقان المهارات الرقمية بساعد الفئات المذكورة على الاستفادة بشكل أكبر من الخدمات المقدمة عبر الإنترنت ويمكنهم من الالتحاق ببرامج التثقيف المالي المقدمة عن بعد، كما يحافظ على سلامتهم خاصة في أعقاب تداعيات فيروس كورونا المستجد.
وتتضح أهمية التثقيف المالي بشكل أكبر خلال أوقات الأزمات مثل أزمة كوفيد 19؛ نظراً لأن مهارات إدارة الأمور المالية تساعد الأفراد والأسر على تخطي الصعوبات المالية والاستعداد لها مما يقلل من حدة آثارها. وكذلك الأمر بالنسبة لأهمية محو الأمية الرقمية في أعقاب الأزمة في وقت أصبح الاعتماد فيه على الخدمات عبر الإنترنت والحلول الغير تلامسيه شيء أساسي لا يمكن الاستغناء عنه للالتزام بقواعد التباعد الاجتماعي. ففي الوقت الذي ازدادت فيه بشدة أهمية الخدمات المصرفية الإلكترونية والخدمات عبر الهاتف المحمول، يتعين على البنوك أن تبذل المزيد من الجهد لتبسيط المعاملات الإلكترونية مع ضمان شعور العملاء بالراحة والطمأنينة عند التعامل من خلال تلك الخدمات بالتزامن مع توعيتهم بشكل كامل بكافة أشكال الاحتيال المالي لتجنبها. وهذا بالفعل ما فعلته البنوك الكندية مثل بنك CIBC, Canadian Western Bank, HSBC Bank,TD Bank Group, Scotiabank، وغيرهم من البنوك الذين قاموا بتخصيص مواقع إلكترونية خاصة بالتعامل مع تبعات أزمة كوفيد 19 وفرق عمل تعمل علي مساعدة العملاء علي تخطي الأزمات المالية ومناقشة مشاكلهم المالية مع البنك لوضع خطة فعالة لحلها والتعامل معها. هذا بالإضافة إلى الدعم الفني والمادي الذي تقدمه البنوك لوكالات الاستشارات الائتمانية الغير هادفة للربح التي تعمل على مساعدة الأفراد لذين يواجهون صعوبات لسداد ديونهم خاصة في أعقاب الأزمة من خلال خطط منظمة لإعادة جدولة الديون مع توفير النصائح والاستشارات المالية اللازمة حول كيفية إدارة الأموال والتخطيط المالي.
[1] جمعية المصرفيين الكنديين تمثل 60 بنك في كندا وتعمل مع الحكومة الكندية على تطبيق وتطوير آليات تنفيذ الإستراتيجية الوطنية للتثقيف المالي؛ للمساهمة في تعميق فهم ووعي مختلف فئات المجتمع بالمعلومات والمهارات المالية اللازمة لاتخاذ قرارات مالية سليمة وذلك بدعم من القطاع المصرفي الكندي.
ياسمين عمرو سليمان
باحث بالمعهد المصرفي المصري