استناداً إلي خبرات سيادتكم الواسعة في مجال التمويل المستدام في القطاع المصرفي المصري وانتخابكم كممثل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعضوية المجلس المصرفي للمبادرة المالية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP-FI)، نتشرف بعرض عدة أسئلة علي سيادتكم حول هذا الموضوع الهام:
- بشكل عام، ما هي أهمية التوجه نحو التمويل المستدام بالنسبة للبنوك، وماهو الإطار العام لمباديء الصيرفة المسؤولة Responsible Banking Principles؟
العالم كله يشهد تغيرات جذرية وهي خارج سيطرته منها تغير المناخ ، التدهور البيئي، وندرة الموارد، و فيروس كورونا (كوفيد-19). وهم قضايا حاسمة واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل وذات تأثير جوهري علي اقتصاديات الدول وصحة المواطنيين . وان كانت هذه الكوارث خارج سيطرته في الوقت الحالي الا انها في اغلبها نتيجة لسياسات ونظم اقتصادية ومالية وانماط انتاج واستهلاك بدآت منذ القرن العشرين ومازالت مستمرة، لم تأخذ في الاعتبار المكونات الغير مادية سواء البيئية والمجتمعية اللازمة لضمان النمو المتوازن.
القطاع المالي العالمي بصفة عامة ،بقدر كونه جزء من المنظومة العالمية التي نتج عنه هذا التدهور حيث تم تمويل آلاف المشروعات بدون التدقيق في الأثر البيئي والمجتمعي الناتج عنها، الا ان له دور هام في معالجة والتكيف مع تلك الازمات. المسار الذي سيسلكه العالم في القرن الحادي والعشرين يعتمد في جزء كبير منه علي تطوير صناعة المال ومنها القطاع المصرفي.
وفي ضوء ذلك، تأتي أهمية مفهوم التمويل المستدام فهو مكون هام من التوجه العالمي للدفع بالتنمية المستدامة وهو يستدعي إعادة صياغة فلسفة ومنهج القطاع المالي للتوائم مع مستجدات القرن الواحد وعشرين حتي يتمكن من مواصلة نموه مع تحقيق التنمية للمجتمعات. ولذلك فهو محور أساسي للمؤسسات المالية حيث انه يتيح أفق جديدة لاستراتيجيات النمو للبنوك ويساعد علي اكتشاف الفرص الاستثمارية الجذابة الناتجة عن الاقتصاديات الخضراء القائمة على التنمية المستدامة.
ذلك يتطلب قيام البنوك بتبني سياسات وممارسات التمويل المستدام لتتمكن من ترسيخ ثقافة الاستدامة كأحد الركائز الأساسية لاستراتيجية نموها فضلًا عن توفير منصة قوية لدمج ممارسات الاستدامة البيئية والاجتماعية ومبادئ الحوكمة (ESG) بجميع أنشطتها التشغيلية.
بخلاف ذلك، تتضح أهمية التمويل المستدام في كونه المحرك الأساسي واللازم للدول للتحول للتنمية المستدامة وذلك وسط الزخم العالمي لتمويل أنشطة مشاريع البنية التحتية لمواجهة التدهور البيئي وتغير المناخ والتي تواجه فجوة تمويلية كبيرة تقدر ب ٧ تريليون دولار سنويا . وذلك لن يتم بدون تحول المؤسسات المالية الي انتهاج التمويل المستدام.
مباديء الصيرفة المسؤولة Principles for Responsible Banking تمثل اول تحرك جماعي عالمي للمؤسسات المصرفية لاقرار اطار لمبادى التمويل المستدام بعد عشر سنوات من حدوث الازمة المالية العالمية . ويعتبر القطاع المصرفي الأخير في منظومة القطاع المالي في هذا الصدد. حيث تم اصدار مبادئ الاستثمار المسؤول Principles for Responsible Investment عام ٢٠٠٦ ومبادئ التأمين المستدام Principles for Sustainable Insurance عام ٢٠١٢. تتضح أهمية مباديء الصيرفة المسؤولة في انها توفر للبنوك اطار تشغيلي عملي يمكنها من الدفع بنموها مع تحقيق التنمية للمجتمعات المحيطة وفي الوقت نفسه تمكنها من إدارة مخاطر البيئة والمجتمع. كما انها من أولى المبادئ التي تم إعدادها لتشمل المعايير الخاصة بدمج ممارسات الاستدامة الاجتماعية والبيئية ومبادئ الحوكمة بجميع العمليات اليومية للمؤسسات المصرفية. كما انها تساهم في توفير إطار قوي للمؤسسات المالية لتحديد واقتناص الفرص الاستثمارية الجذابة الناتجة عن الاقتصاد القائم على التنمية المستدامة، وفي الوقت نفسه رصد المخاطر البيئية ومعالجتها بشكل فعال.
- يعد البنك التجاري الدولي من أهم البنوك المصرية التي تطبق معايير الإستدامة وفقاً لأحدث الممارسات الدولية، فما هي ملامح خطة البنك المستقبلية تحت قيادتكم في هذا الشأن؟
البنك التجاري الدولي احد الأعضاء المؤسسين للمبادئ المصرفية المسؤولة في إطار المبادرة المالية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ((UNEP-FI.
كما كان له السبق في تأسيس قطاع للتمويل المستدام إدراكا لأهمية دمج المفهوم في سياسات وآليات العمل بإدارات البنك المختلفة. خطة العمل تضمنت وضع اطار مؤسسي ومنهج متكامل بداية من تفعيل نظام حوكمة يتضمن لجنة تنفيذية للتمويل المستدام برئاسة الرئيس التنفيذي للبنك ومجموعات عمل من جميع إدارات البنك لضمان حسن تنفيذ سياسات التمويل المستدام علي كافة المستويات. بالإضافة إلي طرح سياسة التمويل المستدام وتحديث اعلان منظومة القيم الخاصة بالبنك. كما تم وضع نظام الإدارة والتقييم الاجتماعي والبيئي لضمان أن المشروعات التي يتم تمويلها من البنك تتوافق مع متطلبات الحفاظ علي البيئة والمجتمع . و يتم حاليا بالتنسيق مع إدارات البنك وضع استراتيجية التمويل المستدام للبنك والتي تركز علي طرح منتجات داعمة للاقتصاد والبيئة والمجتمع علاوة على خلق مناخ وآليات جديدة للتمويل الأخضر لبعض القطاعات الاستراتيجية والتي تخدم استراتيجية الدولة 2030 للتنمية المستدامة. كما اننا نولي عناية خاصة بتدريب العامليين والتواصل مع كوادر البنك لغرس ثقافة الاستدامة حيث انها عنصر أساسي مكمل للسياسات. ان البنك التجاري الدولي له ثقل كونه آكبر بنك قطاع خاص بمصر ويتميز باحترافية الأداء واطار مؤسسي قوي ولذلك دمج التمويل المستدام في نظم العمل الخاصة بكافة الإدارات سيكون له مردود في الدفع بالتنمية المستدامة.
- ماهي دلالة إدراج البنك التجاري الدولي في مؤشر FTSE4Good لخمس سنوات متتالية وما هي أهم المعايير التي يعمل هذا المؤشر علي تقييمها وقياسها؟
إن إدراج البنك بمؤشر FTSE4GOOD للعام الخامس على التوالي يؤكد مدى التزام البنك بتبني ممارسات الاستدامة وفقًا لأعلى المعايير الدولية المتعارف عليها، حيث يحرص CIB على مواءمة عملياته مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، إلى جانب الترويج للممارسات صديقة البيئة بين مختلف شركائه وعملائه، سعيًا للوصول إلى نموذج الاقتصاد منخفض الكربون. ويهدف المؤشر إلى تقييم وقياس أداء الشركات الأكثر التزامًا بتطبيق أفضل الممارسات البيئية والاجتماعية ومعايير الحوكمة. ويتم اختيار الشركات المكونة للمؤشر بناءً على مدى التزامهم بدمج وتطبيق التوجيهات الخاصة بالممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة وفقًا للمعايير الدولية. بالإضافة ان البنك التجاري الدولي مدرج بعدة مؤشرات محلية وعالمية للاستدامة ومنها تصدر البنك ترتيب الشركات المدرجة بمؤشر البورصة المصرية للتنمية المستدامة و الانضمام الي قائمة أعضاء مؤشر بلومبرج للمساواة بين الجنسينBloomberg Gender Equality Index خلال عام 2020 للعام الثاني على التوالي. كما انضم CIB الى Refinitiv المؤشر الأخضر الاقليمى الجديد من بين 30 شركة إقليمية مدرجة في مؤشر Low Carbon Select الجديد الذي طرحه الاتحاد العربي للبورصات (AFE) و.Refinitiv
هذا بخلاف تميز البنك في اصدار تقارير الاستدامة وفقًا للمعايير المحددة من قبل هيئة المبادرة العالمية لإعداد التقارير Global Reporting Initiative والتي تقوم بتوفير الإطار الشامل لإعداد تقرير الاستدامة. وفي يونيو 2020، قام البنك بإصدار التقرير السنوي الخامس للاستدامة (GRI)، عن عام 2019، حيث قام البنك بتسليط الضوء على الجهود التي يبذلها لتعظيم القيمة لجميع الأطراف ذات العلاقة، فضلًا عن جهوده المستمرة في التحول الرقمي لتلبية احتياجات العملاء والمجتمعات المحيطة، وكذلك القطاعات التي تأثرت بانتشار فيروس كورونا (كوفيد-19).
وانطلاقًا من المسؤولية التي تقع على عاتقه باعتباره أكبر بنك قطاع خاص في مصر، يحرص البنك على نشر الوعى بين العملاء والقطاع المالي بمصر بأهمية الإفصاح عن ممارسات الاستدامة بمنتهى الشفافية والنزاهة وإصدار تقارير سنوية للاستدامة . حيث يقدم البنك دورات تدريبية مجانية حول اعداد تقارير الاستدامة وفقا لمعايير المبادرة العالمية لاعداد التقارير (GRI) ل20 مؤسسة من خلال جائزةCIB لتقرير الاستدامة لتعزيز الشفافية ومماراسات الاستدامة.
- في ضوء انتخابكم كممثل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعضوية المجلس المصرفي للمبادرة المالية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP-FI)، ما هو دور وأهم أهداف هذا المجلس؟
إن اختياري لعضوية المجلس المصرفي للمبادرة المالية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP-FI) هو شرف كبير بالنسبة لي على المستوى الشخصي، بالإضافة إلى أنه يعكس التزام CIB بتبني وتطبيق المبادئ المصرفية المسؤولة (PRB) بالمنطقة. ويعد المجلس المصرفي هو الهيئة الحاكمة لعضوية المبادرة المالية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP-FI) وتطبيق المبادئ المصرفية ذات المردود المسؤولة (PRB)، حيث يقوم المجلس بالإشراف على تنفيذ المبادئ المصرفية المسؤولة وكذلك مساهمة أعضاء المجلس في تحقيق الأهداف الإستراتيجية العامة لبرنامج المبادرة المالية التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وذلك بتوجيه من اللجنة التوجيهية العالمية للاستدامة.
- هل تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نقلة نوعية في التوجه نحو التمويل المستدام؟
نعم هناك حراك ولكنه ليس بالقدر الكافي، فقد بدأت مؤسسات القطاع المصرفي بالمنطقة مؤخرًا على تسريع وتيرة التحول إلى اقتصاد أخضر وشامل، ولا سيما في ظل التحديات والقوانين التنظيمية الحالية التي فرضها انتشار فيروس كورونا COVID-19. ولكن مازال هناك حاجة لتنسيق الجهود لسرعة دمج التمويل المستدام في سياسات وممارسات المؤسسات المالية لدفع تحقيق التنمية المستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبصفتي عضو المجلس المصرفي التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP-FI)، قمت مؤخرًا بإدارة جلسة تدور حول هذا الموضوع لإتاحة الفرصة لأبرز خبراء القطاع المصرفي بالمنطقة لتبادل الرؤى والأفكار بشأن تطوير ممارسات التمويل المستدام، بما في ذلك نماذج الأعمال والمنتجات والمبادرات الناجحة التي تم تنفيذها داخل مؤسساتنا لإلهام ووضع نماذج يمكن للمؤسسات المالية الأخرى تكرارها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدفع التحول الإقليمي نحو تبني نظم شاملة وأكثر استدامة.
- كيف يمكن أن يكون لمصر والبنوك المصرية دور ريادي في تطبيق معايير التمويل المستدام والصيرفة المسؤولة في المنطقة؟
ان لمصر دور في غاية الأهمية في دفع التمويل المستدام خاصة انه هناك حراك وتطور ملحوظ في المنظومة التشريعية بالأخص في مجال الشمول المالي والتحول الرقمي. بالإضافة الي وجود مصر كعضو في Sustainable Banking Network ممثلة في البنك المركزي المصري واتحاد بنوك مصر . كما ان البورصة المصرية عضو مؤسس في مبادرة الأمم المتحدة للبورصات المستدامة Sustainable Stock Exchanges وقد أصدرت مؤخرا الدليل الاسترشادي لافصاح الشركات المقيدة عن أداء الاستدامة.
وجدير بالذكر ان مصر هي الدولة الوحيدة الممثلة من منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا التي شاركت في تأسيس مبادىء الخدمات المصرفية المسؤولة مع نخبة من المؤسسات المصرفية العالمية حيث قام البنك التجاري الدولي بدور ريادي في هذا النطاق، خاصة انه أول بنك في مصر ينضم الي برنامج الأمم المتحدة للبيئة. كما ان انضمامي إلى عضوية المجلس المصرفي في هذا التوقيت فرصة لتنسيق الجهود بمصر والمنطقة العربية نحو المساهمة في صياغة التوجهات اللازمة لدمج القضايا البيئية والاجتماعية والحوكمة ESG وتفعيل دور التمويل المستدام على تسريع وتيرة تحول الخدمات المصرفية والتأمين والاستثمار نحو تبنى ممارسات أكثر استدامة.
احد نقاط القوة في مصر تكمن في شباب المصرفيين فهم لديهم قدرة وتفرد في سرعة استيعاب مفهوم التمويل المستدام ولديهم القدرة علي الابتكار في المنتجات. من واقع تجربتي خلال برنامج ” مستدام ” للتدريب ورفع الكفاءة ، كان هناك تفاعل إيجابي ورغبة في تطوير وإعادة صياغة العمل المصرفي بما يخدم الاقتصاد والبيئة والمجتمع. هم نقطة انطلاق قوية لدفع التمويل المستدام وتحقيق التنمية في المنطقة العربية.