جيهان فتحي – مستشار الموارد البشرية
من أهم ما يميز المؤسسات الناجحة الآن فى عالم الأعمال هو ليس فقط قدرتها على المنافسة أو تميز المنتج أو الخدمة، ولكن امتلاك كوادر متميزة واعتبارهم “الميزة التنافسية” التى تمكّن هذه المؤسسات من النجاح والاستدامة، حيث أن الاتجاه الحديث للإدارة يعتبر موظفى أى مؤسسة هم رأس المال البشرى للمؤسسة، والذي يساوى قيمة كبيرة تعادل قيمة الأصول الواردة فى القوائم المالية للمؤسسات.
حيث أن أداء أى مؤسسة ناجحة هو فى الواقع مجموع أداء جميع الموظفين بها، ولذلك أدركت المؤسسات الكبرى أن الريادة تكمن فى إمتلاك موظفين موهوبين، حيث أن مستوى أدائهم المتميز يرفع من تصنيف أي مؤسسة ويمكنها من المنافسة بقوة، وفى سبيل ذلك تضع المؤسسات الكبرى الإستراتيجيات الفعالة التى تمكنها ليس فقط من إجتذاب المواهب، بل إدارتها بشكل فعال يؤدى إلى الإحتفاظ بها لمدة طويلة مما يضمن مساهمتها بشكل مؤثر فى إزدهار مثل هذه المؤسسات.
و قد عرفت جامعة جونز هوبكنز إدارة المواهب بأنها، “مجموعة من عمليات الموارد البشرية التنظيمية المتكاملة التي تهدف إلى جذب وتطوير وتحفيز، والاحتفاظ بالعاملين وتمكينهم أن يكونوا على درجة عالية من الإنتاجية.” *
و نظراً لعدم توافر مثل هذه المواهب بأعداد تسمح لجميع المؤسسات من إجتذاب المواهب وتعيينهم والإحتفاظ بهم، بدأت المؤسسات فى إتخاذ إجراءات لإجتذاب هذه المواهب من المؤسسات الأخرى سواء التى تعمل فى ذات المجال أو فى مجالات متشابهة، و تصاعدت وتيرة هذه الإجراءات فى السنوات الأخيرة ليبدأ وصفها بـ “حـــرب المواهــــب” “War of Talents”
من أجل ذلك بدأت الشركات بدراسة أسباب رحيل/هجرة “المواهب” عن المؤسسات التى يعملون بها، و التى لا تقتصر فقط على النواحى المادية المتمثلة فى الأجور والمزايا التى تمنحها المؤسسات لهم ولكن يظهر بقوة فى المساحة المتاحة لهم فى الإبتكار والإبداع وفرص التعلم الوظيفى وفرق العمل التى يعملون معهم و توافر بيئة عمل مشجعة، وفرصتهم فى الترقى و”التطور القيادى” الذى يمكنهم من تبوء الوظائف القيادية فى وقت أقل من نظرائهم.
لذلك بدأت المؤسسات فى إعادة تعريف ما يسمى بالمواهب، حيث أن الأمر لم يعد يقتصر على الموظفين فى المناصب القيادية فقط، أو على معيار الكفاءة والفاعلية ولكن امتد أيضا لإستعداد الموظفين للتطور والتعلم ومدى مساهمتهم فى تطوير مستوى أداء الشركة وتحديد من منهم يمكنه أن يلعب دور أكبر فى خطط الإحلال الوظيفى، مع التركيز على الوظائف شديدة التخصصية والتى يصعب توافر مواهب كثيرة منها فى سوق العمل، و تم وضع معايير لتصنيف من هم “المواهب” من الموظفين العاملين بالمؤسسة.
وتأتى الخطوة التالية فى وضع الإستراتيجيات لإدارة المواهب متمثلة بداية من التركيز على تعيين الموظفين الذين يمكن تصنيفهم أنهم “المواهب”، ومروراً بالمرتبات والمزايا وخطط التطوير والتدريب لإعداد صف القيادة الثانى والتعاقب الوظيفى وإدارة الأداء والتأكد من أن الموظفين الموهبيين موجودين خصوصاً فى المناصب الحيوية الإستراتيجية. حيث تعمل المؤسسات على تطوير إستراتيجيتها لإدارة المواهب والالتفات بشدة لأي محاولات اجتذاب المواهب التى تعتمد عليهم المؤسسة فى نجاحها بشكل مستمر حيث تجاهل نزيف “المواهب” فى أى مؤسسة يزيد من مخاطر تأثر الأداء أو فقدان جزء من الميزة التنافسية والتى ينعكس على أرباح المؤسسات والحصة السوقية وسعر السهم للمساهمين وهو ما شهدناه على مدى العشر سنوات الأخيرة فى المؤسسات الكبيرة والتى تأثرت بفقدان المواهب بشكل ملحوظ.
وفي هذا السياق فقد ضربت شركة بريتش بتروليوم أروع الأمثلة في تنمية واجتذاب المواهب بطريقة فريدة .فقد دشن “جون براون ” رئيس مجلس الإدارة برنامجاً لإدارة الموارد البشرية يقوم على المراحل الثلاث التالية: مرحلة اجتذاب الموظفين الموهوبين : وفيها يتخصص ما يقرب من 300 موظف باختيار الخامات الطيبة للمرشحين للوظائف من عناصر طلبة الجامعات الدارسين في أقسام هندسة البترول ، حيث يقومون بتحديد العناصر الموهوبة من طلبة الهندسة من قاعات الجامعات ، ثم يعقدون معهم لقاءات شخصية داخل الجامعة ليعرفوهم عن قرب . فإذا تأكد لهم ملأتهم للعمل عرضوا عليهم التعاقد، علي الفور، قبل أن ينضموا لسوق القوي العاملة أي قبل أن يكتشفهم المنافسون. مرحلة نشر مواهب الموظفين بالشركة : وفيها يحدد مدير كل قسم الموظفين الموهوبين لديه ويمنح كلا منهم مكافأة عبارة عن هاتف محمول ،تدفع له الشركة فاتورة استخدامه ، طوال فترة عمله بها . الغرض من منح الموظف هذا الهاتف هو ربط لمدة 24ساعة بالشركة، بحيث يتمكن زملاؤه من الاتصال به واستشارته عند اللزوم ولم يسبق أن فكر أحد هؤلاء الموهوبين في رفض هذه الهدية لأن الموظف الموهوب يحب متابعة كل ما يحدث في الشركة. مرحلة ربط مواهب الموظفين بالشركة: بعد فترة يتم ربط الموظف الموهوب بالشركة بقوة أكثر، بأن يمنح أسهماً يسدد قيمتها من المكافآت التي تضاف إلى راتبه. الغرض من هذه الأسهم هو ربط الموظف الموهوب بالشركة وتحصينه ضد إغراءات المنافسين وعروضهم” **
و هنا يأتى سؤال هام يجب على كل موظف أن يسأله : هل أنا مصنف من الـ “المواهب” ؟ و ما هى المهارات والجدارات التى يجب أن أنميها وأطورها لكى يتم تصنيفى كموهبة ؟ و ما هو مستوى الأداء المتوقع ممن يطلق عليهم الـ “المواهب”؟ والهدف من ذلك أن يبذل المجهود المطلوب لإعتباره من “المواهب” التى يطلق عليها “الركائز الرئيسية” لنجاح أى مؤسسة لكى يتمتع بالمزايا والمكانة المتميزة وفرص التطور القيادى، حتى لا تقتصر الإستفادة على جانب واحد فقط وهو ما يحقق توازن فى معادلة النجاح “win-win” بين الموظف “الموهبة” و المؤسسة التى يعمل بها.
المصادر:
* جامعة جونز هوبكنز – الولايات المتحدة الأمريكية
** جريدة الإقتصادية ” https://www.aleqt.com/2010/10/17/article_456845.html”