عصام بركات
وكيل المحافظ المساعد
نائب المدير التنفيذي لوحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
الرئيس المشارك لفريق عمل التقييم المتبادل بمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
تتسم إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالديناميكية الشديدة نظرًا للمستجدات المستمرة على الأصعدة الدولية والإقليمية والمحلية، مما يستدعي ضرورة الاتساق مع المعايير الدولية مع تبنى منهج رقابي مستند الى المخاطر يتم بموجبه اتخاذ إجراءات الرقابة على نظم مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المطبقة بالقطاعات المختلفة وفقا لحجم المخاطر بكل قطاع، ومن هنا ظهر مصطلح “التقييم القطاعي” والذي يهدف إلى قيام السلطات الرقابية بتحديد وفهم وتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تواجهها المؤسسات الخاضعة لرقابتها، في كل من القطاعات المالية بالدولة، المصرفية منها وغير المصرفية.
وتجدر الإشارة إلى أن عملية التقييم القطاعي للمخاطر يجب أن تتم بشكل تفصيلي وشامل بحيث تتضمن كافة المخاطر ذات الصلة، وذلك بهدف تحديد وتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب بشكل يتماشى مع متطلبات المعايير الدولية من ضرورة تحديد جهة رقابية أو أكثر يكون منوطاً بها مسؤولية التنظيم والرقابة على التزام المؤسسات المالية بمتطلبات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتطبيق التدابير الوقائية للحد من مخاطر تلك الجرائم ، ويستلزم ذلك قيام السلطات الرقابية بتقييم هيكل المخاطر للمؤسسة أو المجموعة المالية الخاضعة لرقابتها بصفة دورية، وكذلك عند وجود أحداث أو تطورات مهمة في إدارة المؤسسة أو المجموعة المالية وعملياتها، ويأتي كل ذلك في إطار قيام الدول بتطبيق منهج مستند الى المخاطر بناء على فهمها للمخاطر بحيث يتم تخصيص الموارد المالية والبشرية بما يتناسب مع درجة تلك المخاطر.
وتشمل عملية التقييم القطاعي للمخاطر تحليل كل من العناصر التشغيلية والهيكلية المؤثرة على مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أخذاً في الاعتبار ما أسفر عنه التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع قيام السلطات الرقابية بتحليل المؤشرات والعوامل ذات العلاقة بالمخاطر، سواء كانت نوعية أو كمية.
وتتمثل المؤشرات التي يتم الاعتماد عليها في التقييم القطاعي للمخاطر في مؤشرات للمخاطر المتعلقة بالنشاط، ومؤشرات للمخاطر الهيكلية، وترتبط مؤشرات المخاطر المتعلقة بالنشاط بطبيعة العملاء والأنشطة التي يمارسونها، والمناطق الجغرافية التي ينتمون اليها أو المتعلقة بالتعاملات المالية، بالإضافة إلى المنتجات والخدمات التي تقدمها المؤسسة وقنوات تقديمها، أما مؤشرات المخاطر الهيكلية فتتعلق بالسمات الهيكلية للمؤسسة، والتي لا ترتبط بالأنشطة التي تمارسها ولكنها قد تؤثر على تعرضها لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مثل حجم المؤسسة، والهيكل التنظيمي لها، وسنوات عملها، ويتعين لدى تقييم المخاطر التى تتعلق بالمؤسسة أن يؤخذ في الاعتبار خصائص القطاع الذى تنتمى اليه.
ويختلف مدى الأهمية النسبية للمؤشرات المختلفة للمخاطر، حيث من الغالب أن يتم منح مؤشرات مخاطر النشاط أهمية نسبية أكبر من مؤشرات المخاطر الهيكلية، كما يمكن للسلطات الرقابية أن تعطى لبعض عناصر مؤشرات مخاطر النشاط ومؤشرات المخاطر الهيكلية أهمية نسبية واوزاناً ترجيحية مختلفة وفقاً لتقديرها لحجم ودرجة المخاطر التي يقيسها ذلك المؤشر.
ومن أهم أهداف التقييم القطاعي لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب إيجاد القدرة على وضع آليات وإجراءات للحد من المخاطر التي تم تقديرها تتناسب مع تلك المخاطر، وتتعدد الآليات التي يمكن تطبيقها للحد من المخاطر، ومن أهمها وجود نظم مطبقة بالمؤسسة لإدارة المخاطر، ويجب ان تتسم تلك النظم بتناسبها مع الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة وأن تتضمن إجراءات واضحة لتحديد المخاطر التي تواجهها المؤسسة وتحليلها وتقييمها ووضع الإجراءات المتناسبة مع درجة كل منها، مع التركيز على مجالات المخاطر المرتفعة.
ومن ضمن آليات الحد من المخاطر ايضاً توافر الحوكمة المؤسسية، والتى يعد من أهم عناصرها السياسات المطبقة بالمؤسسة ومدى توافر النظم الإدارية السليمة، ومدى سلامة عملية اتخاذ القرارات، ومدى توافر معايير الملاءمة والنزاهة فيما يتعلق بمالكى المؤسسة وادارتها العليا، ومدى جودة تدفق المعلومات المتعلقة برصد مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب داخل المؤسسة، كما يعد من أهم هذه الآليات مدي قيام وظيفة الرقابة الداخلية بالمؤسسة بالمهام المنوطة بها على الوجه الأمثل ومدى تغطيتها لكافة إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبالإضافة الى ذلك فلا بد من قيام المؤسسة بتقديم التدريب المناسب للعاملين بها مع التركيز على جودته ودوريته وشموليته لكافة العاملين مع وضع الأولويات المناسبة للإدارات المختلفة بالمؤسسة وفئات العاملين بها.
وتعد عملية التقييم القطاعي من قبل السلطات الرقابية عملية مستمرة، حيث ان المخاطر المتعلقة بالمؤسسات الخاضعة لرقابتها متغيرة، ويجب ان يتم التأكد بشكل دوري ان الإجراءات الموضوعة متناسبة مع حجم ودرجة تلك المخاطر، حتى يكون لديها القدرة على تعديل الإجراءات المطبقة أو اتخاذ إجراءات جديدة للحد من تلك المخاطر.
وحيث تمثل عملية التقييم القطاعي للمخاطر تحدياً للدول، وبخاصة للسلطات الرقابية، فقد قامت وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب المصرية في اطار تعاونها مع كافة الجهات المعنية بإعداد نموذج استرشادي لمعاونة السلطات الرقابية في التقييم القطاعي، يتضمن العديد من المؤشرات الاسترشادية اللازمة للقيام بهذا التقييم بما يسهم في الحد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في كافة القطاعات المالية وغير المالية، ويؤدى في ذات الوقت الى تحديد الأولويات الرقابية وترشيد الموارد على مستوى الدولة وتوجيهها بصورة اكبر الى معالجة المخاطر الأكثر ارتفاعاً في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب.