
د / هشام حمزة – باحث مصرفي
عنوان غير مفهوم بالتأكيد، وما علاقة الجزيرة بالبنك؟ وكيف يكون هناك جزيرة في البنك من الأساس؟ والحقيقة هي ليست جزيرة واحده تلك التي بداخل البنك، ولكن عدة جزر ومنعزلة أيضاً، فما هي الحكاية؟
الحكاية تبدأ بتعريف معني كلمة جزيرة، والجزيرة هي مساحة من الأرض تحاط بالماء من جميع الجهات، أو هي اليابسة التي تحيط بها المياه من كل جانب، وعن مصطلح الجزر المنعزلة فيعني التجمعات التي تعيش بمعزل عن المجتمعات الأخرى، وذلك نتيجة عدم وجود ترابط بين تلك الجزر، وبناءً عليه يقوم كل تجمع على تلك الجزر باتخاذ القرارات منفردة بمعزل عن الجزيرة الأخرى وبدون تنسيق مسبق بينهم.
وبعد أن عرفنا ما هي الجزيرة وما هي الجزر المنعزلة ومشكلة عدم تنسيق الجهود بين تلك الجزر باختصار، السؤال هو ما علاقة ذلك بالقطاع المصرفي أو أي مؤسسة مالية أخرى؟
عدد كبير من المنظمات المالية بما فيها البنوك تعاني من مشكلة الجزر المنعزلة Isolated Islands في بيئة العمل ، وأعني هنا غياب التنسيق الكافي بين قطاعات البنك المختلفة ، إذ يتم العمل داخل كل إدارة أو قطاع بالبنك بمعزل عن الإدارة أو القطاع الآخر ويشمل ذلك اتخاذ القرارات على مستوى التشغيل اليومي ، وقد يصل الأمر إلى القرارات الاستراتيجية أيضًا ، والجزر المنعزلة في البنوك لا تعني التخبط في القرارات وإنما تعني أن كل قرار يتم اتخاذه في أروقة إدارة ما داخل البنك فإنه يتم بمعزل عن بقية الإدارات أو القطاعات الأخرى ، وذلك بغض النظر عن اتساق القرار مع بقية الإدارات الأخرى من عدمه.
ومن صور أو أشكال الجزر المنعزلة داخل البنوك التالي:
- أن يكون لكل إدارة أو قطاع داخل البنك المعلومات أو الأنظمة الخاصة به دون غيره من إدارات أو قطاعات البنك.
- أن يكون لكل إدارة أو قطاع تعليمات خاصة بها دون اتساق مع تعليمات الإدارات الأخرى.
- تكرار نفس الأنشطة دون داع ودون تنسيق مسبق بين قطاعات البنك، وحال الكل عند تكرار نفس النشاط هو استخدام اللفظ (وأنا مالي)، على سبيل المثال قد نجد أن عملية تطوير نفس الفرع تكررت خلال اخر 5 سنوات مرتين دون داعي، في حين أن فروع أخرى لم يطالها أيد التطوير من 10 سنوات.
- الانفصال بين الأقسام، إذ يعمل كل قسم دون تنسيق أو معرفة كاملة بما يحدث في الأقسام الأخرى
- الانفصال بين الفروع، وهذا شائع جدًا، خاصة إذا حدثت مشكلة داخل أحد فروع مثل استخدام أحد المحتالين لأسلوب جديد في أحد الفروع ونجاحه في استخدامه أكثر من مره في أكثر من فرع، والحقيقة أن مسئولية إدارة أول فرع هي مسئولية محدودة في نجاح حدوث الاحتيال، لكن الحقيقة أنه لا توجد حجه لدى بقية الفروع في الاستجابة لعملية الاحتيال سوى أمر واحد أننا داخل جزر منعزلة.
- عدم قدرة أو حتى القدرة المحدودة لوصول كافة الافراد داخل البنك لكافة المعلومات، وأقصد هنا المعلومات التشغيلية والتقارير بعيدًا عن معاملات الأفراد والمعلومات الشخصية لكل عميل والتي يخضع الوصول إليها إلى صلاحيات خاصة.
الأسباب الرئيسية لمشكلة الجزر المنعزلة في البنوك
- غياب التكامل التكنولوجي بين الأنظمة (كل إدارة لديها نظام مختلف، وقد يكون النظام غير قابل للربط مستقبلا بين أنظمة البنك الأخرى Inhouse Program).
- ثقافة عمل تقليدية تركز على المركزية في تنفيذ الأدوار وأن لكل إدارة شأن مستقل بذاتها بعيداً عن باقي الإدارات والأدوار.
- ضعف التواصل الداخلي بين المستويات الإدارية المختلفة خاصة المستوي الاشرافي والتنفيذي.
- عدم وجود حوكمة بيانات موحدة أو إدارة معرفة فعالة Knowledge Management
الآثار السلبية للجزر المنعزلة
- زيادة التكاليف التشغيلية والوقت المهدر، فبسبب عدم وجود تنسيق قد يقوم أحد القطاعات بالمنظمة بشراء نظام محاسبي متطور لإحلال النظام الحالي لذي ذلك القطاع، وفي نفس الوقت تكون الإدارة العليا بصدد شراء نظام موحد يناسب عدد من القطاعات المختلفة، والمحصلة هي تكاليف ضخمة مهدرة دون داع، ووقت وجهد واختبارات وتعليمات ونماذج ضاعت هباء بسبب غياب التنسيق.
- انخفاض في الإنتاجية وضعف الإدارة بشكل عام على مستوى المنظمة، فقد تكون إنتاجية احد القطاعات أفضل من غيرها، لكن يظل التعاون هو الأصل لتحقيق إنتاجية أفضل على المستوى الكلي للبنك أو المنظمة وليس على مستوى قطاع أو إدارة بعينها دون غيرها.
- قد تضيع فرص استثمارية نتيجة عدم الوعي بأهمية التنسيق المسبق قبل اتخاذ أي قرار (تكلفة الفرصة البديلة)
- ضعف الرؤية الشاملة لمتطلبات العملاء Customer 360 View
- زيادة المخاطر التشغيلية بسبب نقص المعلومات المتبادلة.
- البطء في اتخاذ القرار، خاصة القرارات الاستراتيجية.
- صعوبة في ابتكار منتجات جديدة مبنية على بيانات موحدة.
- تضارب في الأرقام والمؤشرات بين الإدارات.
- تفاقم المشكلات.
- خدمات اقل جودة
الممارسات السليمة لمواجهة مشكلة الجزر المنعزلة في البنوك
- التحول الرقمي الكامل وربط كل الإدارات على نظام موحد Core Banking + Data Warehouse ، والمقصود بالـ Data Warehouse هو أن يكون النظام البنكي الأساسي عبارة عن مستودع مركزي Centralized موحد للبيانات سواء الداخلية أو الخارجية ، على أن تتكامل تلك البيانات معًا Integrated ، بالإضافة إلى تخزينها بشكل تاريخي ، مع إمكانية الاحتفاظ بها بشكل آمن بحيث لا يمكن حذفها أو التعديل عليها not deleted or modified، بالإضافة إلى الاحتفاظ بنسخ أخرى لسهولة الرجوع إليها عند الحاجة Data Backup.
- إنشاء مركز بيانات موحد (Data Hub) يجمع بيانات الإدارات والقطاعات كلها معاً.
- تفعيل الحوكمة المؤسسية للبيانات Data Governance
- تغيير الثقافة التنظيمية من “جزر منعزلة Isolated Islands إلى “فريق موحد One team و تعزيز بيئة العمل لتشجع على التعاون والعمل الجماعي بدلاً من استخدام كلمات مثل (وأنا مالي).
- تطوير أنظمة ذكاء أعمال (Business Intelligence) لعرض مؤشرات موحدة في الوقت الحقيقي.
- تحسين التواصل عن طريق تشجيع التواصل الفعال بين الفرق والأقسام من خلال الاجتماعات المنتظمة وتبادل البيانات.
- إعادة هيكلة العمليات ويتم عن طريق مراجعة العمليات والإجراءات لتقليل الانعزال وتحسين التنسيق.
- توفير معلومات آنية حيت يمكن تمكين الموظفين والإدارات من الوصول الفوري للمعلومات لدعم اتخاذ القرار في الوقت المناسب.
في النهاية، تمثل مشكلة الجزر المنعزلة في الإدارة داخل البنوك أحد أبرز التحديات التي تعوق التكامل المؤسسي وكفاءة الأداء. فغياب التواصل والتنسيق بين الإدارات المختلفة يؤدي إلى تضارب القرارات، وتكرار الجهود، وضعف جودة الخدمة المقدمة للعملاء، ولذلك، فإن تبنّي نهج الإدارة المتكاملة القائم على تبادل المعلومات، والعمل الجماعي، واستخدام الأنظمة الرقمية الموحدة، أصبح ضرورة استراتيجية لضمان سرعة اتخاذ القرار، وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وتحقيق أهداف البنك في النمو والاستدامة.



