
عاطف حسن غريب – خبير مصرفي
- مقدمة
يشهد العالم في السنوات الأخيرة ثورة رقمية غير مسبوقة في مختلف القطاعات الاقتصادية، ويُعد القطاع المالي من أبرز المستفيدين من هذه الثورة، خاصة في مجال تقييم الجدارة الائتمانية، فبينما كانت النماذج التقليدية تعتمد على التحليل اليدوي للبيانات المالية والمعلومات التاريخية، أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) اليوم يمثل نقلة نوعية في دقة وسرعة وموضوعية عمليات التقييم الائتماني، مما يسهم في تعزيز الاستقرار المالي وتحفيز النمو الاقتصادي.
- مفهوم الجدارة الائتمانية وأهميتها
الجدارة الائتمانية تُعبّر عن قدرة العميل – فرداً كان أو مشروعاً – على الوفاء بالتزاماته المالية في مواعيدها المحددة. ويُعد هذا المفهوم أساسياً في عملية منح القروض أو التمويلات، إذ تعتمد عليه البنوك والمؤسسات المالية في تقدير مستوى المخاطر الائتمانية واتخاذ القرار المناسب بشأن منح الائتمان أو رفضه.
الجدارة الائتمانية باستخدام الذكاء الاصطناعي (AI Credit Scoring) – هو أسلوب حديث لتقدير قدرة الافراد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة على سداد التزاماتها المالية باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الالي بدلا من الأساليب التقليدية المعتمدة على التحليل المالي البحت.
- تطور أساليب التقييم الائتماني
كانت الأساليب التقليدية تعتمد على تحليل القوائم المالية، ونسب السيولة، والتاريخ الائتماني للعميل، وهي أساليب جيدة لكنها محدودة في قدرتها على تقييم المشروعات الصغيرة والمتوسطة أو الأفراد الذين لا يملكون سجلاً مصرفياً، ومع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة، أصبح بالإمكان تحليل كميات ضخمة من البيانات المتنوعة، بما في ذلك البيانات غير المالية مثل سلوك العملاء عبر الإنترنت أو أنماط الشراء والدفع الإلكتروني، مما أتاح بناء صورة أشمل وأكثر دقة عن العميل.
- آلية استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم الجدارة الائتمانية
تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات ضخمة ومتعددة المصادر، من بينها:
- السجلات المالية وسلوك السداد.
- بيانات المبيعات الإلكترونية والمعاملات البنكية.
- تقييمات الموردين والعملاء.
- النشاط على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية.
بعد جمع هذه البيانات، يتم تدريب نماذج تعلم آلي (Machine Learning Models) للتعرّف على الأنماط التي تشير إلى السلوك المالي الجيد أو المتعثر. وبناءً على ذلك، يتم توليد درجة ائتمانية رقمية توضح مدى جدارة العميل أو المشروع بالتمويل.
- خطوات استخدام الذكاء الاصطناعي في التقييم
- جمع البيانات من مصادر متعددة (البنوك – الفواتير -الانترنت – قواعد بيانات عامة).
- معالجة البيانات وتنظيفها لتصبح قابله للتحليل.
- تدريب نموذج الذكاء الاصطناعي باستخدام بيانات سابقه لعملاء معروفين نتائجهم (سددوا او تعثروا).
- تحليل العوامل المؤثرة في الجدارة الائتمانية وتحديد اوزان لكل عامل.
- اصدار التقييم الائتماني الالي الذي يحدد درجة المخاطر.
- التحديث المستمر للنموذج ببيانات جديده لتحسين دقته بمرور الوقت.
- المزايا التي تحققها النماذج الذكية
- السرعة والدقة في إصدار التقييمات مقارنة بالطرق اليدوية.
- تقليل التحيّز البشري في القرارات الائتمانية.
- توسيع قاعدة المستفيدين من التمويل من خلال دمج العملاء غير المصرفيين.
- تحسين إدارة المخاطر عبر التنبؤ المبكر بحالات التعثر المحتملة.
- خفض تكاليف التشغيل للبنوك والمؤسسات المالية.
- التحديات والاعتبارات التنظيمية
رغم الفوائد الكبيرة، تواجه هذه النماذج بعض التحديات مثل:
- الحاجة إلى بنية رقمية قوية وقواعد بيانات متكاملة.
- مخاطر الخصوصية وأمن المعلومات نتيجة الاعتماد على بيانات شخصية دقيقة.
- صعوبة تفسير نتائج بعض الخوارزميات (ما يُعرف بمشكلة الصندوق الأسود).
- الحاجة إلى أطر تشريعية ورقابية تضمن الشفافية وعدالة التقييم.
- الوضع في مصر وآفاق التطوير
يُولي البنك المركزي المصري أهمية متزايدة للتحول الرقمي في القطاع المالي، ويعمل على دعم استخدام التقنيات التحليلية الذكية في إدارة المخاطر الائتمانية، خاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما تسعى العديد من البنوك إلى تطوير أنظمة التقييم الآلي للجدارة الائتمانية، بالتعاون مع شركات التكنولوجيا المالية (FinTech)، في إطار تعزيز الشمول المالي وتوسيع قاعدة المستفيدين من الخدمات المصرفية.
- خاتمة
يمثل استخدام الذكاء الاصطناعي في تقييم الجدارة الائتمانية نقلة استراتيجية في تطوير الصناعة المصرفية، إذ يجمع بين الابتكار التكنولوجي والدقة التحليلية، بما يعزز استقرار القطاع المالي ويُسهم في دعم النمو الاقتصادي المستدام، ومن ثمّ، فإن الاستثمار في البنية الرقمية وتطوير الكفاءات البشرية في مجال تحليل البيانات يُعد خطوة أساسية لتبني هذا التوجه الواعد في السوق المصري والعربي.



