
شريف عز – استشاري تطوير أفراد
هل يمكن للبنوك أن تبني فرق عمل قوية بالاعتماد فقط على المؤهلات الأكاديمية والخبرة التقليدية؟
في عصر التحول الرقمي والمنافسة الشرسة، لم يعد الأمر بهذه البساطة. فالمهارات المطلوبة اليوم تتجاوز المعرفة الفنية لتشمل التواصل الفعّال، القدرة على حل المشكلات، واتخاذ القرار تحت الضغط. لهذا السبب، أصبحت مراكز التقييم أكثر من مجرد أداة لاختيار الموظفين المناسبين؛ بل تحولت إلى محرك استراتيجي لتطوير الكفاءات، مما يسمح للبنوك بالاستثمار بذكاء في رأس مالها البشري.
التقييم: لماذا يجب أن يكون نقطة الانطلاق للتطوير؟
تنفق بعض البنوك مبالغ طائلة على برامج تدريبية عامة، لكنها غالبًا لا تحقق النتائج المرجوة لأنها لا تراعي الفروقات الفردية بين الموظفين، مما يؤدي إلى هدر الموارد وضعف فاعلية التدريب واستمرار التحديات دون حلول. في المقابل، تتيح مراكز التقييم رؤية دقيقة وشاملة، حيث تساعد في تحديد المهارات القوية التي يمكن تعزيزها، ونقاط الضعف التي تحتاج إلى تطوير، بالإضافة إلى اكتشاف المواهب الكامنة التي لم تُستغل بعد، مما يجعل التدريب أكثر دقة وفاعلية. عندما يتم دمج نتائج التقييم مع خطط تطوير مخصصة، يصبح التدريب أكثر ذكاءً وفعالية، مما يحقق عائدًا أعلى على الاستثمار في الموظفين.
كيف يمكن للبنوك تحويل نتائج التقييم إلى خطط تدريبية فعالة؟
- تحليل البيانات: أين تكمن الفجوات؟
بعد إجراء التقييم، تبدأ الخطوة الأهم: قراءة البيانات بشكل صحيح. وهنا يمكن للبنوك الإجابة على أسئلة مثل:
- هل يمتلك موظفو خدمة العملاء مهارات تواصل قوية، أم يحتاجون إلى تدريب إضافي؟
- هل فرق الائتمان لديها القدرة التحليلية المطلوبة، لكنها بحاجة إلى تعزيز مهارات التفاوض؟
- هل هناك قادة محتملون يحتاجون إلى تطوير مهاراتهم الإدارية؟
بمجرد تحديد هذه الفجوات، يمكن تصميم برامج تدريبية تعالج الاحتياجات الحقيقية بدلاً من تقديم “حلول جاهزة” لا تناسب الجميع.
2. التخصيص: لا يوجد حل واحد يناسب الجميع
لا يمكن تدريب جميع الموظفين بنفس الطريقة، ولهذا يصبح التخصيص هو المفتاح.
كيف يبدو ذلك في الواقع؟
- تصميم برامج تدريب قيادية لموظفي الصف الثاني لإعدادهم لمناصب مستقبلية.
- تقديم ورش عمل حول إدارة المخاطر لفِرق الائتمان.
- دمج التدريب التفاعلي، مثل لعب الأدوار ومحاكاة سيناريوهات حقيقية، لموظفي خدمة العملاء.
بهذه الطريقة، يشعر الموظفون أن التدريب موجه لهم شخصيًا، مما يزيد من التفاعل والاستفادة.
3. المزج بين التدريب النظري والتطبيقي: التعلّم بالممارسة
كم مرة حضرت محاضرة تدريبية ووجدتها ممتلئة بالمعلومات لكنها غير قابلة للتطبيق؟
الحل هو الدمج بين المعرفة والتجربة العملية. الأمر الذي يعني ضرورة اشتمال التدريب على:
- تمارين عملية، مثل محاكاة سيناريوهات التعامل مع العملاء الصعبين.
- التدريب أثناء العمل (On-the-Job Training)، حيث يتعلم الموظفون أثناء أداء مهامهم الفعلية.
- جلسات توجيه وإرشاد (Mentoring)، بحيث يستفيد الموظفون من خبرات قادتهم، والنتيجة؟ تدريب أكثر فعالية، لأن الموظف لا يكتفي بسماع المعلومات، بل يطبقها عمليًا على الفور!.
4. المتابعة والتقييم المستمر: التدريب لا ينتهي بانتهاء الدورة
لا يقتصر التدريب الناجح على حضور دورة تدريبية ثم العودة إلى العمل كما لو لم يحدث شيء.
لكي يكون التدريب فعالًا، لا بد من:
- قياس الأثر بعد 3-6 أشهر لمعرفة مدى تحسن الأداء.
- تحديث الخطط التدريبية بناءً على الملاحظات لضمان استمرارية التطوير.
- ربط التدريب بالمسار الوظيفي والترقيات، بحيث يرى الموظفون فائدة واضحة من جهودهم في التطوير.
التحديات: ما الذي قد يعطل هذه العملية؟ وكيف يمكن التغلب عليه؟
رغم كل هذه الفوائد، قد تواجه البنوك بعض العقبات، مثل:
- مقاومة الموظفين للتدريب الإلزامي، والحل هو تحفيز الموظفين عبر ربط التدريب بفرص الترقية والمكافآت بدلاً من فرضه عليهم.
- ارتفاع تكاليف البرامج المخصصة، والحل هو استخدام التعلم الإلكتروني (E-Learning) كبديل أقل تكلفة، مع دمجه بجلسات تفاعلية لتعزيز التجربة.
- عدم متابعة الأثر بعد التدريب، والحل هو إدراج تقييم الأداء السنوي كجزء أساسي من ثقافة المؤسسة، بحيث يصبح التطوير عملية مستمرة.
الخاتمة: الاستثمار في البشر مفتاح النجاح
لم تعد مراكز التقييم مجرد أداة للتوظيف، بل أصبحت محركًا استراتيجيًا للتطوير، مما يساعد البنوك على رفع كفاءة الموظفين بأسلوب علمي ومدروس، وتقليل معدل دوران العمالة من خلال تطوير المواهب داخليًا، وتعزيز القدرة التنافسية في سوق يتطلب التميز المستمر. والخلاصة؟ إذا أرادت البنوك أن تظل في المقدمة، فعليها أن تستثمر بذكاء في موظفيها. فهل مؤسستك مستعدة لهذه الخطوة؟.