
بقلم: جيهان فتحى – مستشار الموارد البشرية
فى إطار سعى المؤسسات الكبرى لخلق بيئة عمل متنوعة وشاملة حيث يشعر الموظفون بالتقدير و إمكانية تطوير أدائهم و إكتساب مهارات و صقل مهاراتهم ، بدأت المؤسسات الكبرى فى تطبيق مفهوم أو نهج “DEIB” و الذى يتضمن 4 مفاهيم رئيسية و هى التنوع و المساواة و الشمول و الإنتماء (Diversity, Equity, Involvement & Belonging) و ذلك بشكل عام و تطبيقه فى إدارة الموارد البشرية بشكل خاص.
و فيما تركز بعض المؤسسات على التنافس من خلال توفير منتجات بأسعار و خصائص تركز على الميزة التنافسية ، تري بعض المؤسسات الأخرى أن النجاح يبدأ من داخل المؤسسة من خلال نشر ثقافة تحفز الإبداع و الإبتكار و توفر الدعم لمجهود يؤدى إلى نتائج ، و هو ما يعتمد بدرجة رئيسية على إختيار المواهب و الإحتفاظ بها و لذلك فإن الشركات التى تقوم بتطبيق DEIB تزيد من فرص إرتفاع أرباحها لنسبة أكثر من 35% طبقاً بعض الدراسات التى أجريت على بعض الشركات العالمية.
تعتمد المؤسسات على إدارة الموارد البشرية فى إتباع نهج من خلال تطبيق المفاهيم الأربعة لهذا النهج بداية من المفهوم الأول و هو التنوع و الذى يقر بتنوع الخلفيات والخصائص بين الموظفين، بما في ذلك أهمية مصادر التنوع و ينعكس ذلك بدرجة كبيرة على الإختيار و التعيين حيث لا يشترط إختيار موظفين من نفس الخلفيات الثقافية و العلمية أو لهم نفس الخبرات والمهارات، و لكن يجب أن يؤخذ فى الإعتبار أن التنوع يمكن أن يكون فعال إذا ما توفر القيادة التى تضمن الإتساق والإنسجام بين الموظفين ذوى الخبرات المتنوعة و الخلفيات العلمية المتنوعة.
أما المفهوم الثانى هو الإنصاف أو المساواة و الذى يركز على توفير فرص عادلة والوصول إلى الموارد و الأدوات والحصول على الحقوق لجميع الموظفين بطريقة عادلة دون أي إستثناء ، مع الأخذ فى الإعتبار أن يتم تقدير الموظفين بناء على النتائج المحققة و ليس على أي أساس متحيز ، حيث أن التحيز يعتبر من أسباب التى تؤدى فى بعض الأحيان إلى شعور الموظف بالظلم و عدم القدرة على الإستمرار فى المؤسسة لعدم شعوره بالتقدير و العدل و المساواة ، و هو يتمثل فى الحصول على التقدير المادى و المعنوى للأداء و النتائج المتميزة و فرص الترقى و تصاعد المسار الوظيفى و التدريب و التطوير.
أما المفهوم الثالث هو التضمين أو الإدماج أو الشمول و الذى يؤكد على خلق بيئة يشعر فيها جميع الموظفين داخل المؤسسة بالترحيب والتقدير كما يضمن أن يشمل جميع الأنشطة و الفعاليات و الأحداث مشاركة جميع الموظفين بإختلاف دراجاتهم الوظيفية أو أماكن عملهم سواء فى الفروع داخل أو خارج دولة المركز الرئيسى كما يؤكد على مبدأ عدم الإقصاء لأي سبب من الأسباب لكل الموظفين الملتزمين بنظام المؤسسة ، و هو ما يتم من خلال برامج المنفذة من خلال إدارة الموارد البشرية والتى تعمل على نتظيم الفعاليات التى تمنح فرص تجمع الموظفين فى غير إطار العمل الرسمى ، و أيضا توفير فرص لشرح السياسات أو القرارات و مناقشة أي تغييرات محتمل تنفيذها و الأخذ بعين الإعتبار أية مخاوف أو تساؤلات للموظفين.
و أخيراً فإن المفهوم الرابع هو الإنتماء و الذى يدور حول خلق شعور الولاء و الإنتماء و المواطنة داخل المؤسسة و الذى يؤدى إلى شعور الموظفين بالألفة والراحة داخل مكان العمل و يزيد من الإنتاجية و يقلل من معدل دوران العمالة من خلال تنظيم الفعاليات الترفيهية و توفير قنوات التواصل الفعال لحل المشكلات و أيضا المصارحة لكل المستجدات و توضيح أهمية دور كل موظف من جميع المستويات الوظيفية و مدى مساهمتهم فى إنجاح المؤسسة.
و ترجع أهمية تطبيق هذا النهج لعدة أسباب منها توفير فرص إبتكار و إبداع للموظفين ذوى خلفيات و مهارات منتوعة ، تحسين عملية إتخاذ القرارات من خلال توفير معلومات من مختلف الجوانب ، إلتزام الموظفين بإنجاح المؤسسة و تقليل نسب الإستقالات نتيجة شعورهم بالإنتماء و الشمول ، تطوير الأداء للموظفين ، إرتفاع معدلات الألتزام ، نحسين صورة و سمعة المؤسسة كبيئة صالح للعمل ،و أخيراً التاثير الإيجابى على الصحة النفسية للموظفين.
و لكى تستطيع المؤسسات تطبيق هذا المفهوم يجب مراجعة قاعدة بيانات الموظفين وعمل لإحصائيات لقياس مؤشرات توافر المفاهيم الأربعة كما يمكن إجراء إستقصاء لقياس مدى رضاء الموظفين ، حيث نتج عن ذلك تحديد مجموعة من الأنشطة و الممارسات والتى تمكًن المؤسسة من خلالها أن تساهم فى تطبيق أفضل لنهج DEIB و هى إلتزام الإدارة العليا بتكامل نهج DEIB مع الرؤية و المهمة و القيم المؤسسية للمؤسسة ، جمع و تحليل البيانات الديموجرافية الخاصة بالموظفين بصورة دائمة لضمان نسب التنوع و تحديد الحاجة لتدخل الموارد البشرية إذا أستدعى الأمر ، عقد دورات توعوية وتعريفية عن DEIB للموظفين ، التأكد من إستخدام عدة مصادر لإستقطاب الكفاءات و المواهب للتعيين ، توفير فرص متساوية لكل المتقدمين لشغل الوظائف ، توفير فرص الترقى لجميع المتميزين و التأكد من منحها للأكثر جدارة ، التأكد من المساواة و العدل فى الأجور بين الموظفين ، قياس تأثير الأداء و لتأكد من مبدأ المسائلة للمديرين عن النتائج المحققة ، إستخدام لغة تواصل داخل المؤسسة سلسة و مفهومة لجميع المستويات الوظيفية و الخلفيات الثقافية للموظفين ، التفاعل مع المجتمع المحيط بالمؤسسة من خلال المشاركة فى برامج المسئولية المجتمعية ، شفافية التواصل و فعاليته بين الموظفين ، و أخيرا التقييم و المتابعة المستمرة لكل المؤشرات الخاصة بتطبيق نهج DEIB فى كل إدارات المؤسسة.
و بالرغم من التحديات الكبيرة التى تواجه تطبيق DEIB مثل مقاومة التغيير أو تغليب مبدأ الجدارة على الأقدمية و الخروج عن القوالب المعتادة فى الإدارة و التعيين و الترقيات وإعادة تشكيل ثقافة المؤسسات لكي تستطيع إستيعاب الأربعة مفاهيم التنوع و المساواة و الشمول و الإنتماء ، إلا أن النجاح المصاحب لتطبيق المفاهيم الأربعة قد يشجع المؤسسات على المضى قدماً فى إتباعه أملاً فى خلق قوة عاملة أكثر تفاعلًا وإنتاجية من خلال خلق بيئة عمل متنوعة وشاملة حيث يشعر الموظفون بالتقدير وزيادة فرص التطور و الازدهارو تعزيز الإبتكار، توفير حلول للمشكلات، من خلال قوة عاملة أكثر إنتماءاً وإنتاجية ، و قدرة مواكبة القيم المتطورة للقوى العاملة فى المؤسسات العالمية و الذى ينعكس على الأداء المتكامل للمؤسسة.