إعداد: وفاء صابر – باحث بالمعهد المصرفي المصري
في اقتصاد عالمي حيث تتطور الأدوات المالية باستمرار، برز توريق الإيرادات بالدولار كأحد المسارات التي تدرسها مصر للخروج من الأزمة الاقتصادية الراهنة؛ وبينما تستكشف مصر إمكانية تنفيذ هذه الاستراتيجية للاستفادة من إمكاناتها الاقتصادية، من المهم فهم أبعاد توريق الإيرادات بالدولار. ونهدف في هذا المقال إلى توضيح هذا المفهوم وإلقاء الضوء على كيفية استفادة مصر من تبني هذا النهج لتعزيز وضعها الاقتصادي.
معنى التوريق: هو استراتيجية مالية تقوم فيها المؤسسات بتحويل تدفقات دخلها المستقبلية بالدولار إلى أوراق مالية أو أصول- قد تكون مرفقًا حكوميًا أو ميناء أو شركات أو أي كيان قادر على تحقيق إيرادات دورية متكررة- قابلة للتداول. تتضمن هذه العملية تجميع تدفقات الإيرادات المستقبلية معًا وإصدار أوراق مالية مدعومة بهذه التدفقات النقدية. ثم يقوم المستثمرون بشراء هذه الأوراق المالية، مما يوفر للدولة مبلغًا نقديًا مقطوعًا مقدمًا مقابل الحصول على تدفقات مالية سريعة.
و يلاحظ إمكانية استخدام التوريق من جانب الشركات أو الدول.
و تدرس مصر توريق جزء (20 إلى 25% ) من الإيرادات الدولارية المستقبلية بإصدار سندات مديونية بضمان الإيرادات التي تأتي من مصادر مصر للنقد الأجنبي.
تمتلك مصر موارد رئيسية للنقد الأجنبي وهي: عائدات قطاع السياحة والصادرات السلعية وصادرات الغاز الطبيعي وتحويلات المصريين في الخارج وقناة السويس والاستثمار الأجنبي، وجزء من هذه الإيرادات لا تخضع لملكية الحكومة مباشرة وإنما تكون مملوكة للقطاع العائلي لا يمكن توريقها، مثل عائدات السياحة والتصدير وتحويلات المصريين في الخارج، إما ما يدخل خزانة الحكومة مباشرة يرتبط بعائدات قناة السويس وتصدير الغاز الطبيعي وصادرات شركات قطاع الأعمال العام. ما يتم توريقه يجب أن يرتبط بأصل أو كيان أو مرفق يدر دخل متكرر أو محفظة مالية تحقق دخل أيضًا، وتكون ملكيته أو تبعيته واضحة ولا يصلح أن تتم عملية التوريق في المطلق على الإيرادات في المطلق، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تقول توريق مقابل التدفقات الدولارية بشكل عام للدولة، وإنما يجب أن يرتبط بملكية ولها هيكل واضح.
أبعاد توريق الإيرادات الدولارية المستقبلية:
- احتمالية توفير ما يقرب من 10 مليار دولار إلى مصر.
- تنويع مصادر التمويل في مصر، وتعزيز ثقة المستثمرين، وزيادة السيولة لمشاريع التنمية الحيوية.
- تمويل مبادرات النمو وتخفيف مخاطر صرف العملات.
- توفير موارد عاجلة تخرج مصر من وضعها الاقتصادي الحالي عن طريق توريق الإيرادات المستقبلية.
- يعزز الاستفادة من الإمكانات الاقتصادية لمصر مع تقديم أدوات مالية منظمة للمستثمرين مدعومة بتدفقات دولارية موثوقة.
ومن الجانب الآخر، يرى بعض الخبراء أن التوريق قد يقيد الأجيال المستقبلية في جزء من مقدرات مصر بشكل غير مباشر. هذا بالإضافة إلي وجود بع التحديات أمام آلية التوريق بسبب الاضطرابات الحالية في المنطقة. وتجدر الإشارة أن الحصيلة الناتجة من التوريق على آجال استحقاق تلك الحقوق ومعدل الفائدة السائد عند طرح تلك السندات و أيضًا توقعات اتجاه سعر الفائدة مستقبلاً تؤثر على تكلفة إصدارها. لذا تلجأ بعض الجهات المصدرة لسندات التوريق لتبني معدل عائد متغير للتعامل مع مخاطر تغير سعر العائد أو الفائدة على مدى حياة تلك السندات.
في النهاية، يجب على مصر أن تقوم بتقييم دقيق للأطر القانونية والتنظيمية، وممارسات إدارة المخاطر، ودراسة تطلعات المستثمرين قبل تبني هذه الآلية المالية بشكل كامل. إن بناء بنية تحتية قوية، وضمان الشفافية في توريق الأصول، وتعزيز مناخ الاستثمار، سيكون مفتاح نجاح مساعي مصر في هذا المجال شريطة تفعيلها بطريقة اقتصادية مخصصة للوضع الحالي سعياً لتمهيد الطريق لمستقبل اقتصادي أفضل.