جاءت الاعتداءات على غزة وتباعتها الإنسانية في المقام الأول والسياسية والاقتصادية لتمثل المزيد من الأعباء على الاقتصاد المصري. فمن المتوقع أن يتحمل الاقتصاد المصري حجم كبير من الخسائر مقارنة بدول أخرى بالمنطقة نظراً لالتزامات مصر القومية تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وبحكم الجوار الجغرافي وتداخل المصالح الاقتصادية والسياسية. وكلما ازدادت فترة عدم الاستقرار وتأخر الوصول إلى تسوية أو تهدئة من المتوقع أن تتفاقم حدة الآثار الاقتصادية على مصر لتضاف إلى التحديات الاقتصادية القائمة بالفعل. ونرصد في النقاط التالية بشكل مختصر بعض الآثار الاقتصادية المحتملة للأزمة علي الاقتصاد المصري.
1.–المقاطعة الاقتصادية
في أعقاب الممارسات الدامية على الشعب الفلسطيني والمواقف المنحازة والغير إنسانية لجانب كبير من الدول والعلامات التجارية العالمية، انتشرت الدعاوي الشعبية المطالبة بمقاطعة المنتجات والعلامات التجارية للدول الموالية للاحتلال الإسرائيلي. وقد لاقت بالفعل تلك الدعاوي صدى على أرض الواقع وتم تداولها بشكل واسع بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي لدعم القضية الفلسطينية ورفض المشاركة في رواج سلع/علامات تجارية داعمة للاحتلال.
ومن الناحية الاقتصادية قد أوصى بعض الخبراء في المجال تحري الدقة والتفرقة بين المنتجات المستوردة بالكامل أو المتاجر الأجنبية الموجودة في مصر التابعة للشركة الأم في الخارج من ناحية، والشركات المستخدمة للعلامة التجارية والتي تعمل بنظام الفرينشايز ويمتلكها ويديرها ويعمل بها مصريون من ناحية أخرى. ويرى بعض الخبراء أن مقاطعة تلك الفروع التي تعمل بنظام الفرينشايز تضر المستثمر المحلي والعمالة المصرية نظراً لعدم تلقي الشركة الأم أي نسبة من الأرباح وتلقيها فقط مبلغ مالي كل عام من الإدارة المصرية مقابل استغلال العلامة التجارية. وعلى الرغم من أن بعض الشركات قد أوضحت بالفعل انها فقط تستخدم العلامة التجارية وانها مصرية 100% وأعلنت التبرع لدعم الشعب الفلسطيني، إلا أن بعض الآراء المقترحة لازالت تضغط على تلك الشركات وتدعم دعاوي المقاطعة وتطالب الشركات بوقف الفرينشايز وتحويل الفروع والاستثمارات لعلامة تجارية محلية.
ولتحقيق الاستفادة من دعاوي المقاطعة والإقبال علي المنتجات المحلية لابد من وجود وعي ورقابة علي المنتجات المحلية لضمان عدم استغلال التجار لهذا التوجه لرفع الأسعار مع ضرورة العمل على تحسين جودة المنتج لتنافس جودة المنتجات المستوردة.
2-إيرادات السياحة:
يعد القطاع السياحي من أكثر القطاعات تأثراً بالأحداث والأزمات الكبرى داخليًا وخارجيًا وبالطبع تنعكس الأزمة في غزة بشكل مباشر على التدفقات السياحية والتي تعد رافداً من الروافد الأساسية للعملة الصعبة، في وقت تشهد فيه مصر ضغوطات اقتصادية ناجمة عن أزمة في توفر الدولار. وتسعي مصر من قبل أحداث غزة إلى سد الفجوة الدولارية بشكل كبير من خلال عائدات السياحة حيث أشارت بيانات البنك المركزي المصري إلى تعافي الإيرادات السياحية بمعدل 25.7% لتسجل نحو7.3 مليار دولار نظراً لارتفاع عدد السائحين بمعدل 27.5% ليسجل نحو 6.8 مليون سائح وفقا لبيانات يونيو 2023. إلا أن استمرار حالة عدم الاستقرار في المنطقة وتحذيرات العديد من الدول لرعاياها لتوخي الحظر من السفر للدول الحدودية لفلسطين من شأنه أن يأتي بتأثيرات سلبية علي توافد السياح وإيرادات السياحة في مصر.
3-الاستثمار الأجنبي
زيادة التوترات السياسية في منطقة الشرق الأوسط عموماً يؤدي إلى عزوف المستثمرين الأجانب عن العمل والاستثمار في دول المنطقة. وبالتبعية فاتساع نطاق وأمد الاعتداءات على فلسطين قد يؤثر سلبياً على أحد أهم مصادر النقد الأجنبي والمتمثل في الاستثمارات الأجنبية. والبورصة المصرية مثلها مثل الأسواق العربية الأخرى تأثرت مباشرة بعد الأحداث التي شهدتها وسجلت تراجع في المؤشرات في أولي جلسات التداول في 8 أكتوبر ولكنها سرعان ما تحولت إلى اتجاهها الصاعد مرة أخرى.
4-أسعار النفط:
بداية تصعيد الاعتداءات على قطاع غزة أدي إلى تسجيل سعر النفط عالمياً ارتفاعًا ملحوظاً بلغ في المتوسط 7% لمزيج خام برنت ونظراً لأن مصر مستورد صافي للنفط سواء الخام أو المنتج فسينعكس هذا الارتفاع في السعر على حجم مدفوعات مشتريات النفط، الأمر الذي قد يضطر الحكومة لتخفيف الدعم وتحريك سعر بيع المنتج النهائي للمستهلك للحد من أعباء دعم الطاقة. وعادة في حالات الصراعات العسكرية والسياسية يتزامن مع ارتفاع سعر النفط ارتفاع أسعار الذهب والدولار الأمريكي نظراً لكونها ملاذات آمنة للاستثمار. علاوة على أن صعود أسعار النفط يزيد من الضغوط التضخمية وارتفاع الأسعار بشكل عام.
5-ضياع جهود التنمية الخاصة بمبادرة إعادة إعمار غزة:
أدت أحداث التصعيد السياسي والقصف الذي تعرضت له غزة إلى ضياع جهود التنمية في ملف/مبادرة إعادة إعمار غزة الذي شاركت فيها عدد من الشركات المصرية بتوجيه رئاسي والتي تم طرحها في مايو 2021 للتعمير وإصلاح البنية الأساسية بالقطاع.
إعداد: ياسمين عمرو ــــ باحث بالمعهد المصرفي المصري