
شريف عز الدين، كبير مقيمين واستشاري تقييم وتطوير أفراد ومؤسسات
لم يعد التقييم الوظيفي في القطاع المصرفي مجرد عملية إدارية تُسجَّل فيها نقاط القوة ونواحي التحسين، بل بات مدخلاً أساسياً للتطوير وبناء القدرات. فالتقرير الذي ينتهي بأرقام وجداول ليس غاية في حد ذاته، وإنما أداة تعكس صورة أولية ينبغي تحويلها إلى مسار واقعي للنمو وهنا تظهر أهمية خطط التطوير الفردية التي تُترجم الملاحظات إلى خطوات عملية ملموسة، يستفيد منها الموظف شخصياً، بينما يجني البنك نتائج مباشرة في صورة أداء أعلى، وكفاءات أكثر استعداداً للتحديات.
كثير من المؤسسات المصرفية تنظر إلى التقييم بوصفه محطة وصول، بينما هو في الحقيقة نقطة انطلاق، فالتقييم يكشف الإمكانات والفرص الكامنة، لكنه يظل ناقصاً ما لم يُستثمر في خطط تطويرية واضحة. وقد أثبتت التجارب الدولية أن البنوك التي ربطت التقييم بخطط تطوير فردية استطاعت أن تُخرج قادة جدداً وتحقق استدامة في الكفاءات الأساسية، في حين اكتفت مؤسسات أخرى بمتابعة الأرقام من دون استثمار حقيقي في العنصر البشري.
إن خطط التطوير الفردية ليست وثائق جامدة، بل تمثل خارطة نمو تتوازن فيها احتياجات الموظف مع أولويات المؤسسة، وتبدأ بتحديد أهداف مهنية واقعية، وتستند إلى كفاءات محددة تحتاج إلى تعزيز أو تحسين، ثم تُترجم إلى أنشطة تعلم متنوعة تشمل التدريب الرسمي والتوجيه الفردي والمشاركة في مشروعات استراتيجية أو عمليات مصرفية معقدة. كما تتضمن هذه الخطط مؤشرات أداء لقياس التقدم، وإطاراً زمنياً واضحاً يضمن الجدية والالتزام.
تتجلى أهمية هذه الخطط في القطاع المصرفي في عدة مستويات. على الصعيد الفردي، تمنح الموظف شعوراً بالتمكين والاهتمام وتفتح أمامه مساراً للنمو المهني داخل المؤسسة، مما يعزز ولاءه وانتماءه. وعلى مستوى المؤسسة، فهي أداة استراتيجية لتقوية الكفاءات الجوهرية في البنوك مثل إدارة المخاطر وخدمة العملاء والتحليل المالي واتخاذ القرار. تسهم تلك الخطط أيضًا في ضمان الاستمرارية من خلال دعم خطط الإحلال الوظيفي أو بلغة أخرى تخطيط التعاقب وتجهيز جيل جديد من القيادات المصرفية.
لكن الانتقال من فكرة خطط التطوير الشخصية إلى واقع تطبيقي ليس دائماً سهلاً، فالركائز الأساسية لنجاحها تبدأ بتقديم ملاحظات وتعقيبات دقيقة ومبنية على ملاحظة موضوعية، ثم حوار صريح بين الموظف ومديره المباشر لتوضيح التوقعات والأولويات. يلي ذلك ربط الخطة بالواقع العملي بحيث تكون أنشطتها متاحة وملائمة لبيئة البنك. على سبيل المثال، قد تتضمن الخطة إشراك الموظف في إدارة مشروع لتحويل فرع إلى العمل الرقمي، أو تكليفه بقيادة فريق صغير لمعالجة مشكلة تشغيلية محددة، مما يجعل التعلم عملياً ومباشراً.
التحديات التي تواجه البنوك في هذا السياق متعددة. فقد يُنظر أحياناً إلى خطة التطوير باعتبارها عبئاً إضافياً على الموظف أو المدير، وقد يغيب عنصر المتابعة أو تُصمم الخطط بطريقة عامة لا تعكس الفروق الفردية. وهنا يأتي دور المؤسسة في إرساء ثقافة مختلفة ترى في هذه الخطط استثماراً حقيقياً لا التزاماً شكلياً، فإشراك المدير المباشر بشكل فاعل، واعتماد مراجعات دورية كل ثلاثة إلى ستة أشهر، وربط النتائج بالترقيات أو الحوافز، كلها وسائل تجعل الخطة أكثر جدية وتأثيراً.
كما أن التحول الرقمي يفتح أمام البنوك فرصة لتفعيل خطط التطوير الشخصية بطرق أكثر ابتكاراً فأنظمة الموارد البشرية الحديثة تتيح متابعة إلكترونية لكل خطة وتذكر الموظف بواجباته التطويرية وتقيس التقدم بشكل آني مما يجعل التنفيذ أكثر شفافية ويعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة.
يقف القطاع المصرفي المصري اليوم أمام تحديات متجددة تتطلب كوادر مرنة وقادرة على التكيف السريع، فالمنافسة الإقليمية والدولية والتحول الرقمي وارتفاع توقعات العملاء كلها عوامل تجعل الاستثمار في العنصر البشري مسألة استراتيجية. وهنا تمثل خطط التطوير الفردية فرصة ذهبية لتحويل التقييم من مجرد تقرير جامد إلى أداة لبناء ثقافة تعلم مستدامة يعرف فيها كل موظف مساره ويشعر كل قائد بمسؤوليته في تطوير الآخرين.