
د / هشام حمزة – باحث مصرفي
الخدمات المصرفية في عصر الذكاء الاصطناعي (AI)
في عصرٍ الثابت الوحيد فيه هو التغيير، عصر يتميّز بالتقلبات السريعة، الغموض، عدم اليقين، والتعقيد، وهو باختصار عصر الـ VUCA، فإن أفضل طريقة لتوقّع المستقبل هي صناعته لا انتظاره. وانطلاقًا من كون الاقتصاد والمال هما المحرك الحقيقي لذلك العصر، أصبحت البنوك مطالبة بدخول سباق يكون الخاسر فيه هو الأقل مرونة (Flexibility). فإذا لم تتغير وتقبل بالتغيير، فقد أصبحت جزءًا من التاريخ. ولدينا العديد من الأمثلة لمنظمات قاومت التغيير (Resistance to Change)، نذكر منها:
كوداك (Kodak):
كانت شركة رائدة في مجال التصوير الفوتوغرافي، لكن وبسبب مقاومتها وتجاهلها لفكرة التصوير الرقمي، تفوقت عليها شركات منافسة مثل Sony وNikon، وفي النهاية أعلنت كوداك إفلاسها عام 2012.
نوكيا (Nokia):
في تسعينات القرن الماضي وأوائل الألفية الجديدة، كانت نوكيا ملكة متوجة على عرش سوق الهاتف المحمول. ولكن بسبب مقاومتها للتحول نحو عالم الهواتف الذكية (Smartphones) واستخدام أنظمة التشغيل الحديثة مثل Android، وبدلاً من ذلك راهنت على نظام تشغيلها الخاص، فقدت مكانتها وسيطرت شركات أخرى على السوق مثل Apple وSamsung.
والسؤال هنا:
هل تستخدم البنوك تطبيقات الذكاء الاصطناعي (AI) بشكل كافٍ عند تقديم خدماتها المصرفية بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة الحالية من التغيير؟ وهل المنتجات المصرفية الحالية كافية للتعامل مع جيل جديد من العملاء، وهم الـ Gen Z؟
الإجابة باختصار:
لكل عصر متطلباته، والفترة الحالية تتطلب الحصول على الخدمات المصرفية بأقل جهد ممكن، في أسرع وقت، وبأقل تكلفة، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال دمج الذكاء الاصطناعي في تقديم الخدمات المصرفية.
فوائد دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات المصرفية
- تعزيز اتخاذ القرار وتقديم الخدمات: يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد البنوك على أتمتة جوانب الأمن السيبراني (Cybersecurity) من خلال المراقبة والتحليل المستمر، أو من خلال تعزيز تجربة مصرفية رقمية مرنة وشخصية تركّز على العميل.
- الدقة: يقلل من الأخطاء اليدوية في معالجة البيانات، والتحليلات، والوثائق، وتفاعلات العملاء، بفضل الأتمتة.
- السرعة: يسرّع معالجة المعلومات واكتشاف العلاقات بين البيانات، ما يؤدي إلى قرارات أسرع، والحد من المخاطر (Risk Mitigation)، وتحسين إدارة الامتثال والحوكمة (Compliance Management).
- ابتكار منتجات جديدة: يتميز الذكاء الاصطناعي بقدرته الفائقة على تحليل كميات ضخمة من البيانات بسرعة، ما يتيح تطوير منتجات وخدمات مبتكرة تحسّن من تجربة العملاء.
- تحسين الأمن السيبراني وكشف الاحتيال: في ظل استخدام المحتالين أنفسهم للذكاء الاصطناعي، يجب على البنوك توظيفه لحماية موظفيها وعملائها من التهديدات المتقدمة.
- مكافحة غسل الأموال (Anti-Money Laundering): تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي في إحباط الجرائم المالية مثل غسل الأموال أو انتحال الهوية.
- تحسين واجهات التطبيقات: يوفر الذكاء الاصطناعي اقتراحات تجعل واجهات التطبيقات المصرفية (APIs) أكثر مرونة وبساطة.
- استكشاف أسواق جديدة: من خلال التحليل التنبؤي (Predictive Analytics) المدعوم بالذكاء الاصطناعي، يمكن للبنوك فهم العملاء بشكل أعمق وتحديد فرص النمو.
- تصنيف ائتماني ذكي: يمكن لأنظمة الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي (Machine Learning) تقييم الجدارة الائتمانية بسرعة ودقة.
نماذج استخدام الذكاء الاصطناعي في البنوك
- تحويل المكالمات إلى نصوص (Speech to Text): لتحسين خدمة العملاء وتحليل الملاحظات لتحسين المنتجات.
- كشف الأنشطة غير الاعتيادية (Anomaly Detection): مثل المعاملات الاحتيالية والجرائم الإلكترونية.
- خدمات الترجمة الفورية: بفضل الترجمة الآلية السريعة، يمكن للبنوك تقديم محتوى متعدد اللغات لجمهور عالمي.
- تطبيقات التواصل الذكي: مثل روبوتات المحادثة (Chatbots) ومراكز الاتصال الذكية (AI Customer Centers) التي تحاكي التفاعل البشري وتقلل التكاليف.
- تحليل البيانات (Data Analytics): للتنبؤ باحتياجات العملاء، واكتشاف الاحتيال، وتقليل المخاطر.
- إدارة الأصول والاستثمار (Robo-Advisors): تقدم توصيات ذكية لإدارة المحافظ الاستثمارية وتحقيق عوائد أعلى بأقل مخاطرة.
- الأتمتة في العمليات المصرفية (RPA): لمعالجة المهام الروتينية مثل القروض وفتح الحسابات وطباعة البطاقات بسرعة ودقة.
- الامتثال التنظيمي (RegTech): لمراقبة الالتزام بالقوانين المصرفية واكتشاف التلاعبات المالية.
تحديات دمج الذكاء الاصطناعي في الخدمات المصرفية
- جودة البيانات: عدم تكامل أو تقادم البيانات يؤثر سلبًا على دقة النتائج.
- الخصوصية والأمان: البنوك تتعامل مع بيانات حساسة تتطلب أعلى درجات الحماية.
- التكلفة العالية: تنفيذ الذكاء الاصطناعي يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والخبرات.
- عدم جاهزية البنية التحتية: الأنظمة التقليدية الحالية في بعض البنوك تعيق التكامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي.
- عدم الثقة في الذكاء الاصطناعي: سواء من الموظفين أو العملاء، خاصة في القرارات المصيرية مثل منح القروض.
- التحديات القانونية والتنظيمية: الرقابة الصارمة على بعض استخدامات الذكاء الاصطناعي تعيق التوسع فيه.
- قلة الخبرات البشرية: نقص الكفاءات المتخصصة يعوق التنفيذ السريع والفعال.
- تحيّز النماذج: تدريب الذكاء الاصطناعي على بيانات غير متوازنة قد يؤدي إلى نتائج غير عادلة.
- مقاومة التغيير: خوف الموظفين من فقدان وظائفهم قد يعرقل تطبيق الذكاء الاصطناعي.
الخلاصة
تطبيقات الذكاء الاصطناعي في البنوك قادرة على خفض التكاليف والجهد والوقت، وزيادة الفاعلية والدقة والأرباح. ورغم أن تعميم هذه التطبيقات ليس مستحيلاً، إلا أنه يتطلب خطة واضحة، استثمارات في البنية التحتية، تدريبًا متواصلاً للموظفين، وضمانًا للامتثال القانوني. علماً أن نجاح التجربة لا يُقاس فقط بتطبيق الذكاء الاصطناعي، بل بتحقيق التوازن بين التكنولوجيا والعنصر البشري.