الدكتور/ هشام حمزة – باحث مصرفي
يقصد بالاقتصاد غير الرسمي مجموعة الكيانات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر التي تزاول أنشطة ذات قيمة وعائد اقتصادي مع مزاولة تلك الأنشطة بعيدًا عن الجهات الرسمية للدولة، ويشمل ذلك كافة الأنشطة الإنتاجية والخدمية، وتعريف آخر، هي تلك الفئة من الصناع أو التجار التي تعمل في الخفاء، وهدفهم الأول هو الحصول على الربح السريع دون الالتزام بأي أعباء مالية سواءً تأمينية أو ضريبية. وبصورة أبسط، يمكن تعريف القطاع غير الرسمي بأنه “أنشطة اقتصادية لا تخضع لرقابة الحكومة ولا يتم تحصيل ضرائب عنها، كما أنها لا تدخل في حسابات الناتج القومي الإجمالي على خلاف أنشطة القطاع الرسمي التي تخضع للنظام الضريبي والرقابة وتدخل في حسابات الناتج القومي الإجمالي. وللاقتصاد غير الرسمي عدة مسميات أهمها (الاقتصاد الموازي – اقتصاد الظل – الرمادي – الخفي … إلخ) ومن المتعارف عليه اقتصاديًا أن يعمل الاقتصاد غيـر الرســمي جنباً إلــى جنـب مع الاقتصاد الرســمي فــي كل دول العالم دون اســتثناء، بمعنــى أنــه ظاهــرة عالميــة، ولكن مع تفاوت نسبة مشاركته بالناتج المحلي الإجمالي وعدد العمالة؛ حيــث تكون اعلي النسب مشاركة فــي الــدول الناميـة وأقلهـا فـي الـدول المتقدمـة، كما يتصف القطاع غير الرسمي بعدد من السمات لعل أهمها:
- غياب تسجيل المنشأة في السجلات الرسمية للدولة بمختلف أنواعهـا (سجل تجاري، سجل صناعي، تراخيص عمل).
- صغر حجم المنشأة وحجم التشغيل.
- محدودية رأس المال.
- تكنولوجيا إنتاجية بسيطة وفي بعض الأحيان قد تكون بدائية.
- عدد عمالة محدود جدًا بمهارات بسيطة.
ومع تزايد حجم أنشطة الاقتصاد الغير رسمي في أي دولة فإن تلك الأنشطة تؤدي إلى حلقة من المشاكل على عدة مستويات خاصة وأن الاقتصاد غير الرسمي يعتبر واحد من أهم العوائق أمام جهود الدولة للتنمية نتيجة عدد أسباب نذكر منها على سبيل المثال:
- إحــداث خلــل هيكلــي فــي موازنــة الدولــة، حيــث تــؤدي هــذه المنظومــة إلــى التزايــد المســتمر فــي عجــز الموازنــة، حيــث يســتفيد العاملــون فــي الاقتصاد غيــر الرســمي مــن جميــع الخدمــات العامــة التــي تقدمهــا الدولــة للقطــاع الرســمي مــن ميــاه وكهربــاء وصحــة وتعليــم …إلــخ، فــي حيــن لا يســاهم هؤلاء العاملــون فــي هــذا الاقتصاد فــي تحمــل أي جــزء مــن الإيرادات الضريبيــة التــي تنفقهــا الدولــة علــى هــذه الخدمــات وتلــك المرافــق العامــة.
- فجوة الشمول المالي والحاجة المستمرة لاستخدام النقود، إذ يــؤدي انتشــار الاقتصاد غيــر الرســمي إلـى زيـادة المعاملات النقديـة وضعـف الشــمول المالــي ومــن ثــم معدلات النمــو فــي الســيولة النقديــة، وهــو مــا يؤثــر علــى كفــاءة اســتخدام البنــك المركــزي لسياســته النقديــة فــي الســيطرة علــى معدلات التضخــم والنمــو وســعر الصــرف.
- الغش والتقليد والإضرار لعدد من المنتجات التي تنتجها المشروعات الرسـمية، وبالتالي التأثير سلبيًا على ســمعة الصناعــة الوطنيــة، ومــن ثــم ضعــف القــدرة علــى التصديــر والنفــاذ إلــى الأسواق الخارجيـة، فلا يتـم تطبيـق المواصفات القياســية المتعــارف عليهــا علــى منتجــات هــذه المنظومــة غيــر الرســمية، حيــث يتــم اســتخدام أردأ الخامــات جــودة بغيــة خفــض تكلفــة تلــك المنتجــات.
- العاملين في القطاع غير الرسمي هم أكثر عرضة للمعاناة من الفقر والاستغلال.
- لا تمنح تلك المشروعات للعمال التأمين الصحي لضمان حياة كريمة.
- تزايد حجم البضائع الغير قانونية من سلع مهربة وسلع مجهولة المصدر ونخص بالذكر السلع الغذائية بشكل خاص، والتي غالبًا ما تكون مضرة بصحة المستهلك نتيجة عدم اتفاقها مع معايير الصحة المتعارف عليها.
- عدم وجود تراخيص للأنشطة مما قد يؤدي الي مخالفتها لكافة قواعد السلامة المدنية وتعرض العاملين بها للإصابات بدون تعويض.
القطاع غير الرسمي في مصر:
طبقًا لبيانات التعداد الاقتصادي الصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ، فإن عدد منشأْت القطاع الغير رسمي بلغ حوالي الـ 2 مليون منشأة من إجمالي عدد 3.74 مليون منشأة بالقطاع الخاص أي بأكثر من 53% وكل هذا العدد خارج نطاق الاقتصاد الرسمي وبدون رقابة فعالة، بينما بلغ عدد منشأت القطاع الرسمي 1.75 مليون منشأة ويمثل ذلك حوالي 47% من عدد منشأت القطاع الخاص، في المقابل نجد حوالي 4 مليون عامل والذي يمثل 32% تقريباً من إجمالي العاملين في القطاع الخاص لا يتمتعون بالتأمين الصحي الملائم بالإضافة إلى تعرضهم للاستغلال من صاحب العمل ، كذلك يظهر الخلل الهيكلي جليًا في حجم الأجور والتي تمثل حوالي 11% من إجمالي أجور القطاع الخاص (يعني هذا ان 32% من إجمالي عدد المشتغلين يحصلون فقط على نسبة 11% من إجمالي الأجور) ، كذلك نسبة الانتاج الذي لا يمثل اكثر من 11% من إجمالي القطاع الخاص أو القيمة المضافة بنسبة بلغت حوالي %13 من إجمالي القيمة المضافة .
والسؤال، ما هو الدور المنوط بالبنوك المصرية في تقليص عدد المنشأت غير رسمية وتحويلها تدريجياً إلى القطاع الاقتصادي الرسمي وإصلاح الخلل الهيكلي؟ كلمة السر في الإجابة عن هذا السؤال هو التمويل، للبنوك المصرية القدرة على تقليص عدد منشأت القطاع غير الرسمي بما لديها من إمكانيات تمويلية، وبناء عليه فقد قام البنك المركزي المصري بإطلاق عدد من المبادرات وذلك من اجل دمج القطاعات الغير رسمية وتحقيق للشمول المالي مع ضمان توسيع البنوك لقاعدة العملاء والأنشطة الاستثمارية ويعزز من خلق فرص العمل وتحقيق التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي، ومن ضمن تلك المبادرات وبهدف زيادة التمويل الموجه من القطاع المصرفي إلى المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، قام البنك المركزي بإلزام البنوك بزيادة محفظة القروض والتسهيلات الائتمانية الموجهة لتلك المشروعات لتصل إلى نسبة لا تقل عن 25 % من إجمالي محفظة التسهيلات الائتمانية للبنك. مع اشتراط ألا تقل النسبة الموجهة للمشروعات الصغيرة عن 10%. بالإضافة إلى إلزام البنوك بإنشاء قطاعات متخصصة للتعامل مع هذه المشروعات وتدعيمها بالكوادر البشرية اللازمة.
- السماح للبنوك بتمويل الشركات والمنشآت والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة (بحد أقصى حجم مبيعات أقل من 20 مليون جنيه مصري) بدون الحصول على قوائم مالية معتمدة من مراقب الحسابات، في ظل عمل معظمها في القطاع غير الرسمي مع مراعاة أن تتضمن السياسة الائتمانية للبنك الضوابط المناسبة التي تتماشى مع تمويل هذه النوعية من الشركات
- توجيه البنوك بالعمل على توفير بدائل أخرى لدراسة تلك الشركات وتقييم المخاطر الخاصة بها، ومنها استخدام وتحليل البيانات البديلة للتقييم الائتماني من خلال نماذج التقييم الرقمي استنادًا إلى سلوكيات العملاء وبياناتهم الاجتماعية ومعاملاتهم المالية وغير المالية، وفق الضوابط الصادرة في هذا الشأن.
- إضافة التمويل متناهي الصغر الذي تمنحه البنوك مباشرة للأشخاص أو الشركات أو المنشأت متناهية الصغر، أو عبر الجمعيات الأهلية وشركات التمويل متناهي الصغر، إلى النسبة الإلزامية لمحفظة البنوك في تمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة.
- العمل على رفع كفاءة جمعيات التمويل متناهي الصغر من الفئة (ج) والذي ينفذه الاتحاد المصري لتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لمدة 3 سنوات، لرفع كفاءة وترقية جمعيات التمويل متناهي الصغر العاملة بالسوق المصرية؛ هادفًا إلى بناء ورفع قدراتها المؤسسية بما يؤهلها للحصول على التمويل والوصول إلى أكبر عدد من الفئات المهمشة تمويليا وإدماجها في الاقتصاد الرسمي.
- تمويل الخطة التدريبية للاتحاد المصري للتمويل متناهي الصغر بهدف رفع الكفاءة المهنية لأعضائه من الجمعيات والمؤسسات الأهلية من الفئتين (ب) و(ج) في التحليل المالي وإدارة الموارد البشرية وإدارة المتأخرات وتطوير المنتجات وأساسيات التمويل الأصغر، حيث تم تنظيم 40 دورة تدريبية في 11 محافظة مختلفة (7 محافظات بالصعيد و4 محافظات وجه بحري) لـ 1128 متدرب.
- قيام شركة ضمان مخاطر الائتمان طبقاً لتوجيهات البنك المركزي، بطرح عدد من البرامج لتغطية جزء من المخاطر المصاحبة لتمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، لتحفيز البنوك على ضخ المزيد من التمويلات، إذ قام البنك المركزي بإصدار تعهد لشركة ضمان مخاطر الائتمان (CGC) بقيمة 2 مليار جنيه مصري، بحيث تقوم الشركة بإصدار ضماناتها للبنوك لتغطية جزء من المخاطر المصاحبة لتمويل المشروعات والصغيرة والمتوسطة المستفيدة من مبادرات البنك المركزي بمعدل الفائدة المخفض.
وتحتاج البنوك المصرية إلى اتخاذ عدد من الخطوات الجادة نحو دمج القطاع الغير رسمي إلى الاقتصاد وذلك بالتركيز بشكل خاص على تمويل المشروعات متناهية الصغر وذلك نظرا لما تتمتع به المشروعات متناهية الصغر بعدد من المميزات دون غيرها مثل الانتشار الجغرافي الواسع، مشروعات كثيفة العمالة، سهولة التأسيس، تعتبر صناعاتها من الصناعات المغذية للمشروعات الصغيرة والكبيرة على حد سواء، مصدر لتعظيم الاستفادة من المواد الأولية، قدرتها على التكيف السريع مع متغيرات السوق…….الخ ، ومن ضمن تلك الخطوات في سبيل سعي البنوك لدمج القطاع غير الرسمي طبقًا لما سبق التالي:
- على الإدارة العليا بالبنوك إدراك أهمية المشروعات متناهية الصغر وإدراك أهمية الفرص التمويلية المتاحة، وأن الغاية من المشروعات متناهية الصغر تتخطي الربحية إلى الاستدامة والشمول المالي ودمج القطاع الغير رسمي بالاقتصاد.
- ضرورة إعادة النظر في الشروط والاحكام والعقود والمستندات المطلوبة من عملاء المشروعات متناهية الصغر وذلك بهدف تسهيل إجراءات الحصول على التمويل.
- ربط قروض المشروعات متناهية الصغر بتطبيقات التكنولوجيا المالية سواء محافظ الهاتف المحمول أو الانترنت البنكي، وذلك لسهولة تقديم المستندات والتواصل مع البنك وكذلك السداد.
- نظام السداد يجب أن يتوافق مع طبيعة نشاط المشروعات متناهية الصغر (أسبوعيًا أو كل أسبوع) مع إتاحة السداد إلكترونياً.
- إعادة النظر في سعر الفائدة الحالي ليصبح أكثر تشجيعاً.
- ربط المراكز البحثية بالبنوك بمراكز الإنتاج، لحل أي مشكلة يجب إدارك المشكلة أولاً، ثم جمع المعلومات عنها، وضع الحلول والبدائل المتاحة، اختيار الحل أو البديل المناسب، اختبار ذلك البديل، وأخيرًا تطبيقه على أرض الواقع – لذا فإن الدور البحثي هام لوضع حلول لمشكلة تمويل المشروعات متناهية الصغر، ويمكن الرجوع إلى تجربة (بنك جيرامين ببنجلاديش) لاستخلاص الدروس المستفادة في مجال التمويل متناهي الصغر، كذلك بنك التعاون الكيني & البنك التجاري الزيمباوي.
- إجراء الدعاية اللازمة لمثل هذا النشاط (التمويل متناهي الصغر) سواء في شكل إعلان تليفزيوني، أو على برامج التواصل الاجتماعي المختلفة، الرسائل النصية SMS ، الدعاية التليفونية Tele sales . وغيرها من الأساليب المتاحة لدي البنوك.
- على البنوك توخي الحذر والوصول إلى أعلى درجات التأكد عند تقييم عمليات التمويل للمشرعات متناهية الصغر التعاون مع مجموعة من المؤسسات ذات العلاقة مثل مؤسسات ضمان مخاطر الائتمان ومؤسسات الدعم الفني ومؤسسات تطوير الاعمال.
- توفير قاعدة بيانات شاملة عن تلك المشروعات بحيث تمكن البنوك من اتخاذ القرار الائتماني بكفاءة.