الدكتور / هشام حمزة – باحث مصرفي
یعتبر الاستثمار الأجنبي المباشر Foreign Direct Investment مصدراً ھاما ً من مصادر تدفق رؤوس الأموال إلى الدولة المستضيفة لذللك النوع من الاستثمارات، مما يؤدي وبشكل عام إلى زيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية، كذلك يمكن أن تلعب دوراً كبيراً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، والمساهمة في النمو الاقتصادي.
ھذا، وقد يكون الاستثمار الأجنبي في شكل مشاريع جديدة في العديد من القطاعات مثل البنية التحتية والطاقة المتجددة، أو من خلال إعادة شراء الأصول بشكل كُلي أو جزئي لبعض الشركات القائمة في الدولة المستقبلة لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
مفهوم الاستثمار الأجنبي المباشر FDI: هي تلك التدفقات الاستثمارية للمستثمرين الأجانب التي تمثل ما نسبته حوإلى10% أو أكثر من رأس مال الشركة، أو ما يمثل حوالي10% من القوة التصويتية.طبقا لصندوق النقد الدولي.
أهمية الاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للدولة المضيفة للاستثمارات:
- عادة ما يجلب الاستثمار الأجنبي المباشر معه نقل لأحدث ما توصلت إليه تكنولوجيا الإنتاج في مجال الاستثمار المعني إلى البلد المضيف، وذلك بخلاف جلب المعرفة والخبرات.
- الاقتراض طويل الأجل، المستثمر الأجنبي يتجه للبنوك في تمويل استثماراته ويكون هذا الإتجاه في طبيعة الحال كقروض طويلة الأجل، تتحصل البنوك على هامش الربح الناتج من ذلك التمويل، والمحصلة استقرار القطاع المصرفي.
- توفير التمويل ورأس المال اللازم لعدد من الاستثمارات التي تحتاجها البلد المضيف أشد الحاجة، خاصة إذا كان ذلك التمويل من الخارج وبالعملة الصعبة.
- الحد من البطالة، وذلك عن طريق زيادة فرص التوظيف، وتكون الاستفادة في أوجها بالنسبة للدولة المضيفة إذا كان ذلك النوع من الاستثمارات موجه إلى الاستثمارات كثيفة العمالة.
- رفع مستويات المعيشة، مع تحفظ وهو أن تكون تلك الاستثمارات موجهة في الأساس نحو الأنشطة الحيوية لاقتصاد الدولة المضيفة، مثل أنشطة البنية التحتية (كهرباء – غاز – مياه – ……) أو الأنشطة في القطاعات الاقتصادية الأساسية كالنقل والمواصلات والصناعة والسياحة.
العوامل المحددة لقرار الاستثمار من عدمه بالنسبة للمستثمر الأجنبي:
- حجم السوق، وهو واحد من أهم أبعاد اتخاذ قرار الاستثمار من عدمه أمام المستثمر الأجنبي، إذ يلعب حجم السوق دوراً أساسياً في تحديد حجم الطلب على السلع والخدمات وذلك في علاقة طردية (كلما ذاد حجم السوق ذادت فرصة الطلب على السلع والخدمات) وبطبيعة الحال يتجه المستثمر الأجنبي إلى السوق الأكبر لتوافر فرص الاستثمار والربح.
- المستوى العام للتضخم، والتضخم هو الارتفاع المستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات، ويعتبر مؤشر سلبي لأي اقتصاد سواء للدول النامية أو المتقدمة على حد سواء، وبالنسبة للمستثمر الأجنبي يعتبر التضخم مؤشر سلبي عند اتخاذ قرار الاستثمار، فلا داعي من استثمارات في بلد يؤدي التضخم فيها إلى تأكل في مستويات الدخل الحقيقي وصافي الارباح.
- مستوى انفتاح الدولة على الأسواق العالمية، فالدول التي تسجل قيود على التبادل التجاري هي دول غير محفزة بالمرة بالنسبة للمستثمر الأجنبي، في حين إن الدول التي تتمتع بانفتاح على الأسواق العالمية ولا تفرض قيود على التبادل التجاري تعتبر من الدول المستقطبة للاستثمارات الأجنبية المباشرة FDI.
- حرية حركة رؤوس الأموال، بعض الدول لديها حظر على حركة رؤوس الأموال وتحويلات النقد من و إلى الدولة المضيفة للاستثمار الأجنبي، بينما دول أخرى ليس لديها تلك القيود خاصة فيما يتعلق بتحويلات رؤوس الأموال او الأرباح إلى الخارج مما يساهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية إلى الداخل.
- البيروقراطية والفساد، والروتين والإجراءات التي لا تنتهي والرشاوي والايدي المرتعشة، كذلك تعدد الجهات والمصالح والموافقات والتصاريح والأوراق ومعدلات الضرائب المرتفعة على الأرباح، كلها عوامل تؤثر بالسلب على قرار المستثمر الأجنبي.
الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر:
فيما يلي توضيح رقمي لمعدل نمو صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة خلال فترة الدراسة وهي اخر 10 سنوات، وذلك حتى يمكن استبيان تطور ذلك المعدل من عدمه خلال فترة الدراسة.
بمراجعة البيانات السابقة يتضح إنه يوجد تباين وعدم استقرار في معدل نمو صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر خلال الفترة محل البحث وهي أخر 10 سنوات، على سبيل المثال شهد العام المالي 2014-2015 زيادة في معدل نمو صافي الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة تخطت الـ 50 % عن العام 2013-2014، كما سجل العام 2021-2022 طفرة أخري في معدلات النمو بلغت الزيادة حينها أكثر من 70% عن العام المالى 2020-2021. نجد على النقيض انخفاض في معدل نمو صافي الاستثمارات الأجنبية في العام المالى 2019-2020 بحوإلى30% عن العام المالى 2019-2020.
الاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي:
في هذه السطور التالية سوف نقوم بمقارنة حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع الناتج المحلي الإجمالي المصري خلال فترة الدراسة (آخر 10 سنوات) ونسبة ما تمثله الاستثمارات مع الـناتج المحلي الإجمالي.
يتضح من الجدول والنموذج البياني التالي إن عام 2017 كان يمثل أعلي نسبة مساهمة للاستثمار الأجنبي المباشر بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي بمصر، إذ بلغ حينها أكثر من 3% كنسبة من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي، لكن انخفضت النسبة تدريجيا في الأعوام التالية لتصل عام 2021 إلى1.22% فقط من حجم الناتج المحلي الإجمالي المصري، أي بانخفاض حوالى2% بقيمة 5.214 مليار دولار، في حين إن المبلغ في عام 2017 كإن 7.932 مليار دولار امريكي، أي بانخفاض قيمته 2.718 مليار دولار. أما بالنسبة للعام 2022، تلاحظ ارتفاع في معدل نمو الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى1.875% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك نتيجة تضافر جهود المسئولين والاهتمام المتزايد من المؤسسة الاقتصادية المصرية والالمام بأهمية تلك النوعية من الاستثمارات، ومن ضمن اهم تلك الجهود هو الرخصة الذهبية.
عبارة عن موافقة واحدة على إقامة المشروع وتشغيله وادارته، بما في ذلك إصدار تراخيص البناء وتخصيص العقارات اللازمة له، يجوز منحها للشركات بقرار من مجلس الوزراء، وتكون هذه الموافقة نافذة بذاتها دون الحاجة إلى اتخاذ أي اجراء آخر.
وقد شمل مشروع الرخصة الذهبية عدد من المشاريع وهي:
- قطاع الكهرباء والطاقة المتجددة
- البترول والثروة المعدنية
- قطاع النقل
- الصناعة
- الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات
- الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية
- السياحة
- الشباب والرياضة
- البيئة
- الزراعة
- الإنتاج الحربي
وذلك وفق شروط معلنة حددتها المادة رقم (20) من قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، وقدد تم تحديد الشركات التي يجوز منحها الرخصة الذهبية (الموافقة الواحدة (وفقاً لقرارًا مجلس الوزراء رقم (56) لسنة 2022 وهي الشركات التي تؤسس لإقامة مشروعات استراتيجية تساهم في تحقيق التنمية المستدامة، كذلك الشركات التي تؤسس لإقامة مشروعات مشتركة بين القطاع العام والدولة او قطاع الاعمال العام، وذلك بناء على مجموعة من المعايير أهمها:
- إن يسهم المشروع في زيادة الصادرات من خلال تصدير جزء لا يقل عن (50%) من منتجاته إلى الخارج سنويا.
- إن يعتمد في تمويله على النقد الأجنبي المحول من الخارج.
- إن يستهدف المشروع تقليل الواردات وتوطين الصناعة وتعميق المكون المحلي.
- إن يسهم في نقل وتوطين التكنولوجيا
- إن يسهم في الحد من التأثير البيئي وخفض الانبعاثات الحرارية.
- إن يكون من المشروعات كثيفة العمالة.
- إن يكون من المشروعات التي تهدف التأمين السلع الاستراتيجية.
- إن يقام المشروع في أحد المناطق الأكثر احتياجا للتنمية.
وبالطبع لا يمكن الحكم على تجربة حديثة ولم يكتمل عامها الأول بعد، لكن نأمل بالتأكيد نأمل أن تكون الرخصة الذهبية نواه تؤتي ثمارها قريباً، خاصة وأن المعايير التي تم اختيارها لتحصل على الرخصة الذهبية، هي مشاريع تراعي الطابع الاجتماعي والمناطق الأكثر احتياجاٌ للتنمية مع مراعاة بند الاستدامة ورؤية مصر لعام 2030.
اما عن التوصيات المقترحة ليكون الاقتصاد المصري محل اهتمام عالمي من كبري المؤسسات الاقتصادية العالمية متعددة الجنسيات، فهي من وجهات نظرنا كالتالي:
- العمل على خفض الزمن اللازم للبدء في الاعمال Time required to start a business
فطبقًا لبيانات البنك الدولي لعام 2019، فإن الوقت اللازم لبداية الأعمال في مصر هو 12.5[1] يوم عمل، بينما وعلى سبيل المثال دولة الإمارات العربية المتحدة فإن الزمن اللازم لبداية الاعمال هو 3.8 يوم عمل، والسبب في ذلك هو استخدامات التطبيقات الرقمية Digit Transformation في كافة المجالات ومن بينها مجالات الاعمال والتي وفرت التكامل بين كافة الهيئات الاقتصادية المعنية ببداية الاعمال.
- الترويج لملف الرخصة الذهبية خارج وداخل مصر
مصر لديها فرصة عن طريق استغلال ملف الرخصة الذهبية لإحداث طفرة في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وذلك باستخدام ما يقدمه الشباك الواحد من تسهيلات للبدء في نشاط الاعمال، خاصة مع تزايد الاهتمام العالمي بالاقتصاد الأخضر والاستدامة، وبما إن مشروع الرخصة الذهبية في مجمله يدعم مثل تلك المشاريع الخضراء، فكل ما نحتاجه هو الترويج الكافي لملف الشباك الواحد أو الرخصة الذهبية.
- دعم الجهود لسهولة عمليات التجارة الخارجية
لتوضيح الصورة كاملة وبعيداً عن النظريات والتوصيات العامة، فطبقاً لمؤشر الأداء اللوجستي الدولي (LPI)[2] فإن مصر احتلت المركز 58 عالميًا وذلك عن عام 2023، مقارنة بالمرتبة 67 في النسخة السابقة من المؤشر عام 2018 وذلك من اجمال الـ 139 دولة الذي شملهم المؤشر حول العالم، وبالمقارنة مع الدول العربية نجد إن السعودية في المركز 38 عالمياً،
لتوضيح الصورة كاملة وبعيداً عن النظريات والتوصيات العامة، فطبقاً لمؤشر الأداء اللوجستي الدولي (LPI)[3] فإن مصر احتلت المركز 58 عالميًا وذلك عن عام 2023، مقارنة بالمرتبة 67 في النسخة السابقة من المؤشر عام 2018 وذلك من اجمال الـ 139 دولة الذي شملهم المؤشر حول العالم، وبالمقارنة مع الدول العربية نجد إن السعودية في المركز 38 عالمياً، بينما تصدرت الإمارات الدول العربية (الأولي عربياً والسابعة عالميا)، وببساطة يمكن نقل التجربة الامارتية إلى مصر في المجال اللوجيستي، نحتاج فقط إلى الجدية في التعلم من تجارب الآخرين.
- استقرار سعر الصرف والمعدل العام للتضخم
من أهم عوامل اتخاذ القرار الاستثماري والدخول في سوق جديد هو سعر الصرف، بالإضافة إلى الحفاظ على مستوي مستقر من الأسعار خاصة أسعار المواد الخام اللازمة للإنتاج، والسؤال كيف يمكن لمستثمر الثقة في نظام اقتصادي والكل يتحدث طوال الوقت عن تعويم محتمل للعملة المحلية؟
إن أرباح المستثمر داخل البلد المضيفة بالعملة المحلية، وإذا تم تحرير سعر الصرف خلال فترة تشغيل المشروع، فإن الأرباح بالتبعية تنخفض قيمتها الحقيقية خاصة وإن المستثمر الأجنبي سوف يقوم بتحويل أرباحه إلى الخارج في اخر المطاف.
والتوصية هنا هو إيجاد صيغة لضمان مناخ استثماري بأسعار صرف مستقرة ويمكن تصور ذلك عن طريق التوسع في استخدام المشتقات المالية لأسعار الصرف، مثل العقود الآجلة Currency Forward[3] والتي يجب أن يتم إعدادها وتفصيلها تفصيلًاCustomized للمستثمر الأجنبي كتعديل مدد العقود لتتناسب مع الاستثمارات الأجنبية طويلة الأجل، كذلك عقود الخيارات Option[4] والتي تتيح للمستثمر أو مشتري العقد حق الاختيار في تنفيذ صفقة تغيير العملة الأجنبية من عدمه في تاريخ التنفيذ أو اللجوء إلى السوق طالما إن السعر يحقق له الناتج المتوقع من الاستثمار.
الأفكار ليس لها حدود وبالتالي لا يمكن إن يسعها صندوق
[1] Time required to start a business, The World Bank data.
[2] مؤشر الأداء اللوجستي الدولي Logistics performance Index: مؤشر موجز لأداء القطاع اللوجستي الذي يجمع بيانات لستة عناصر أداء رئيسة في مقياس وحيد، والمجالات هي: الجمارك، البنية الأساسية، الشحن الدولي، والجودة اللوجستية والكفاءة، والمتابعة والاقتفاء، والتوقيت، ويصدر المؤشر عن البنك الدولي، الهدف من التقرير هو مساعدة الدول على تحديد التحديات والفرص في أدائها اللوجستي التجاري عن طريق قياس مدى ملاءمة ترتيباتها اللوجستية مع حاجاتها، كما يهدف إلى مراقبة كفاءة أداء الخدمات اللوجستية والشحن الدولي وسلاسل التوريد واستدامة الخدمات.
[3] العقود الآجلة Currency forward هي عقود مالية مشتقة تتم بين طرفين، يتم من خلال العقد تحديد سعر لتنفيذ صفقة شراء أو بيع عملة معينة في تاريخ محدد في المستقبل، بغض النظر عن سعر السوق أثناء تاريخ الانتهاء.
[4]عقود الخيارات Option تمنح مالك العقد الحق في شراء أو بيع المبلغ المحدد بالعملة الأجنبية، بسعر محدد قبل أو في نهاية تاريخ محدد، وتعتبر هذه العقود واحدة من أفضل الطرق للشركات، أو الأفراد التي تمكنهم من أخذ الحيطة والحذر ضد تحركات وتقلبات أسعار الصرف السلبية، الفرق بينها وبين العقود الآجلة هو عدم الإلزامية على تنفيذ العقد، لذلك هي عقود خيار.