بقلم الدكتور/ أحمد حسني – مدير مراكز تطوير الأعمال – مبادرة رواد النيل
في إطار سلسلة المفاهيم الإدارية التي نسعى إلى تعميقها بمنظمات الأعمال وكذلك مؤسساتنا المالية، نتناول فيما يلي أحد أهم المفاهيم المعاصرة في علوم الإدارة، ألا وهو مفهوم المواطنة التنظيمية Organizational Citizenship (OC)، ويرتكز هذا المفهوم حول الموظف ذلك العنصر البشري الذي يعد أهم موارد المنظمة، وتنميته وزيادة فعاليته تعد أحد المحاور العميقة للتطوير المؤسسي.
وسنحاول في هذا المقال إلقاء الضوء حول هذا المفهوم وأنماط السلوك الناتجة عنه، وتأثيراتها على الأداء، ومحددات بناء سلوك المواطنة التنظيمية كأحد جوانب التحسين المستمر التي تستند إلى تعظيم دور العنصر البشري داخل المنظمة.
المواطنة التنظيمية(OC) Organizational Citizenship: هي تجسيد للتفاعل الايجابي بين المنظمة والعاملين بها، وينشأ عنها سلوكيات إيجابية فيما يعرف بسلوك المواطنة التنظيمية Organizational Citizenship Behavior (OCB)، يؤديها العامل اختياريا وبإرادته المنفردة وقد تغفل العديد من المنظمات قياسها عند تقييم أداء العاملين بها مثل: الايثار، الكرم، الروح الرياضية، وعي الضمير، المحافظة على نظافة مكان العمل، حماية ممتلكات الشركة واحترام قواعدها، سلوك المساعدة والمشاركة، السلوك الحضاري، الامتثال والالتزام ( ولا أعني بالالتزام الحضور والانصراف او الزي الرسمي فقط، بل أعني به الاصرار على الوصول للهدف رغم التحديات والعقبات التي قد تواجهه خلال دورة الأداء).
هذا طبعا بخلاف أداء دوره الرسمي المحدد له داخل المنظمة والذي سيقيم على أساسه والمخطط لتحقيق الفعالية التنظيمية.
أنماط سلوك المواطنة التنظيمية:
- مساعدة الموظف لزملاء العمل، وقد تأخذ هذه المساعدة عدة أشكال منها: مساعدة الموظف حال غيابه عن العمل، مساعدة ذوي الأعباء الوظيفية الكثيرة، توجيه وارشاد الموظفين الجدد، مساعدة الزملاء في حل مشكلات عملهم. هذا السلوك سيساهم حتما في زيادة إنتاج فريق العمل، وكل ذلك بلاشك سينعكس على فعالية القرارات التي سيتم اتخاذها والمبينة على المشاركة وتبادل المنافع والتوقيت المناسب.
- التمتع بالروح الرياضية، والسلوك الحضاري، يعزز من الروح المعنوية لفريق العمل، ويقلل من ظاهرة انسحاب العمال وهروبهم من العمل وتجنب إضاعة الوقت في أحاديث جانبية، أو إطالة وقت الاستراحة ليكون أكثر مما هو مقرر تنظيميا، أو القيام بزيارات داخلية وخارجية لا علاقة لها بالعمل، ويحفز الموظف لأن يقوم بتقديم المنظمة للآخرين والحديث عنها بصورة جيدة، ويقلل من شكاوى العملاء، وتجنب ممارسات مهنية خطيرة.
- سعي الموظف نحو التنمية الذاتية، ولهذا السلوك مردود ايجابي في تقليل نفقات التدريب، وتحسين فعالية العمل، وسيساهم حتما في تقديم اقتراحات للتحسينات التنظيمية والإدارية والإجرائية تجعل المنظمة أكثر تميزا.
من ناحية اخرى، فإن دافعية الفرد للإنجاز Individual’s Motivation for Achievement (سواء انجاز الدور المحدد له و/ او الدور الاختياري الاستثنائي) يتأثر بمدى إدراكه للدعم التنظيمي ودرجة الثقة في الإدارة، لذا، على المنظمة أن تسعى إلى أن يدرك العاملين بها مدى الدعم التنظيمي الذي تقدمه الإدارة العليا لهم من خلال المحددات التالية:
– إدراك العدالة التنظيمية Organizational Justice، بأشكالها الثلاثة (توزيعية، إجرائية، معاملة) ، وما إن أدركها العامل سيقوم بحساب معادلة الرضا الوظيفي بطريقة جيدة:
عوائد العمل من مرتب وحوافز وترقية ومعاملة ÷ الجهد المبذول
ويتحقق الرضا عن العمل عندما تكون النتائج ≥ الواحد الصحيح، أو تكون مساوية لنتائج زميل مماثل في نفس الجهد المبذول.
وهذا يتطلب :
– توزيع الأعباء الوظيفية بطريقة عادلة.
-نظام للأجور والمكافآت بناء على خصائص المهام والواجبات والجهد المبذول.
– وحدة أسس ومعايير وإجراءات تحديد الأجر والمكافآت والتقييم والترقية.
- سلوك القائد في مساندة مرؤوسية وتوجيههم، وهي من محددات ترسيخ الولاء التنظيمي Organizational Loyalty المستمر والوجداني لدى العامل، وسيبذل قصارى جهده لتحقيق أهداف المنظمة وأود أن أركز هنا على نوعان من أسلوب القيادة:
– القيادة التبادلية Transactional Leader: ويقوم خلالها القائد بسلوك برجماتي كلاسيكي بحت، وصاحب مقولة شهيرة “إذا كانت الأمور تسير على ما يرام، فلا تحاول تغييرها”، وتحدث التفاعلات بين القائد والتابع في هذا النوع من القيادة في سياق علاقة اعتماد متبادل بينهما لتنفيذ الأتباع أداء العمل المطلوب.
–القيادة التحويلية Transformational Leader: وهنا يسعى القائد للتغيير ويقوده، وتهدف القيادة التحويلية إلى تغيير الوضع الراهن أو تحفيز الموظفين لنقل الشركة إلى المستوى التالي من الربحية والنجاح، بصفتك موظفا في إحدى هذه الشركات، غالبا ما تسأل عما ستفعله في سيناريوهات معينة، بالإضافة إلى مدخلاتك حول كيفية تحسين كفاءة العمليات.
وهذا يتطلب: بناء وتطوير علاقة المديرين بالعاملين ونشر أجواء الثقة.
- المشاركة في اتخاذ القرارات وتمكين العاملين Empowerment لإطلاق الطاقات الكامنة لديهم ، ومن ثم تكوين رأس المال الفكري Intellectual Capital، وهنا يأتي عنصران في غاية الأهمية وهما: فعالية التغذية المرتدة، ونوع العمل (عمل روتيني وعمل متجدد).
- صيانة وتنمية الموارد البشرية Human Resources Maintenance and Development واكسابها المعرفة الفنية والسلوكية والادارية، ومهارات تطبيقها، باتجاهات وسلوكيات ايجابيه لكي يفوزوا بالمواقف المختلفة داخل وخارج محيط المنظمة حالة تعرضهم لها ومن ثم تحقيق الأداء الفعال Effective Performance بل التميز في الأداء وهو ما يعني أداء الأشياء الصحيحة بطريقة صحيحة من أول مرة وفي كل مرة.
وهذا يتطلب:
-إتاحة مصادر متنوعة للمعرفة من داخل وخارج المنظمة.
-تبسيط لغة تداول المعرفة المتخصصة، وعقد ندوات ولقاءات مع العاملين في هذا الخصوص.
-توفير آلية تطبيق المعرفة المكتسبة (مسابقات بحثية، التناوب الوظيفي.
-تفعيل إدارة المواهب Talent Management وتوفير مناخ داعم للابتكار.
هذه المحددات مجتمعة لها تأثير جوهري على درجة الالتزام التنظيمي لدى العامل، وما إن تحقق الالتزام التنظيمي والثقة في الإدارة تتحقق سلوكيات المواطنة التنظيمية.