
شريف عز الدين – استشاري تطوير أفراد
لقد عشنا جميعاً التأثيرات التي أدت إليها جائحة كورونا المستجدة والتبعات التي قادت إليها والتي كان لها أثر كبير على جميع مناحي الحياة، وقد تسببت تلك الجائحة في أزمة كبيرة في التنمية البشرية فوفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 2020 كان لها أثر على جميع أبعاد التنمية البشرية بما يشمله ذلك من الدخول التي تأثرت نتيجة أكبر انكماش في النشاط الاقتصادي منذ الكساد الكبير، والصحة حيث تسببت بشكل مباشر في وفاة أكثر من 300000 شخص، وبشكل غير مباشر إلى 6000 حالة وفاة إضافية للأطفال كل يوم على مدى الأشهر الستة التالية) والتعليم حيث يتوقع أن تنخفض مستويات التعليم الابتدائي إلى المعدلات الفعلية لمنتصف الثمانينيات) وذلك دون أخذ الآثار غير المباشرة الأقل وضوحًا في الحسبان.
وقد أدى الوباء إلى خلق جيل جديد من أوجه عدم المساواة والتفاوت وأدى إلى انخفاض حاد وغير مسبوق في التنمية البشرية سيكون أثره محو كل التقدم المحرز في التنمية البشرية في السنوات الست الماضية.
سيتركز حديثنا في السطور اللاحقة على الأثر الذي كان للأزمة على مكان العمل من منظور شخصيات الموظفين فقد أصبحت الاجتماعات تعقد عبر الإنترنت، وحدث تعديل كبير في جداول العمل كما أصبح الكثير من الموظفين يعملون من المنزل، بالإضافة إلى ذلك تم إلغاء أو تأجيل التجمعات العامة الكبيرة وزادت المسافات بين الأشخاص. تتطلب الاستجابة لتلك الظروف الانتباه إلى بعض العناصر التي لم تكن المؤسسات تنتبه إليها في السابق وهي طبيعة الأشخاص ومواصفاتهم الشخصية.
تشير الأبحاث النفسية إلى أن المخاوف بشأن جائحة كورونا والتباعد الاجتماعي من المحتمل أن تؤثر على مدى رغبة الناس في الاختلاط بالآخرين، وميلهم المتزايد للتفكير التقليدي بدلاً من خوض تجارب جديدة، فعلى الرغم من أن قضاء الوقت مع الآخرين يعتبر مفيداً بشكل عام للصحة العقلية والجسدية، إلا أنه في ظل وجود خطر الإصابة بأمراض معدية قد يكون له جانب سلبي، إذ يزيد التفاعل مع الآخرين من التعرض لمسببات الأمراض القاتلة ويمكن أن يقلل من فرص البقاء على قيد الحياة.
في عام 1944، قدمت كاثرين كوك بريجز وابنتها إيزابيل بريجز مايرز لأول مرة مؤشر نوع ماير-بريجز الذي يقترح أربع طرق لتصنيف الشخصيات، ولكل نوع منها احتياجاته وتوقعاته، في سياق فيروس كورونا يصبح الاختلاف بين هذه الاحتياجات صارخًا نتيجة الانتقال من العمل داخل المكتب إلى العمل من المنزل بين عشية وضحاها تقريبًا.
فيما يلي نبذة عن الأنماط الأربعة وكيف تتأثر بالسياسات الجديدة الخاصة بالعمل من المنزل:
- الشخص الانطوائي مقارنة بالشخص المنفتح
يستمتع الانطوائيون، الذين يتمتعون ببيئة هادئة وسلمية بالعمل من المنزل على عكس المنفتحين الذين سيواجهون وقتًا عصيبًا، وذلك لأنهم يميلون إلى الاستمتاع ببيئة مزدحمة وحيوية توفر الكثير من الفرص للتفاعل، الأمر الذي لا يتحقق في المنزل.
2. الشخص المستشعر مقارنة بالشخص الحدسي
في ظل تلك الظروف عادة ما يزيد مستوى أداء الشخص المستشعر خاصة عند تكليفه بمهام تركز على النتائج وموجهة نحو البحث بشرط تأمين وصوله للمعلومات، وذلك على عكس الموظف الحدسي الذي يصبح أكثر عرضة للذعر خاصةً عند انقطاعه عن التفاعلات الشخصية مع أقرانه.
3. الشخص المفكر مقارنة بالشخص الشعوري
تميل الشخصية المفكرة إلى اتخاذ قراراتها بناءً على البيانات والأدلة والتفكير العقلاني. إنهم يميلون إلى أن يكونوا عمليين ولا يتأثرون بالكراهية أو العواطف لكنهم يفضلون البيانات التجريبية، وذلك على عكس الشخصية الشعورية التي تميل إلى اتخاذ قراراتها بناءً على القيم والعواطف والتأثير على الناس.
4. الشخص الحُكمي مقارنة بالشخص الإدراكي
يتمتع الأشخاص الذين يميلون إلى إصدار الأحكام بحياة مخططة ومنظمة وقد يجدون التغيير المفروض المتمثل في الاضطرار فجأة إلى العمل عن بُعد أمرًا مزعجًا إلى حد ما، على عكس الأشخاص ذوي الميل الإدراكي الذين يستمتعون بالعمل عن بُعد ومرونة ساعات العمل.
إذن، كيف تقوم المؤسسات بالتعامل مع الأنماط المختلفة من الشخصيات لضمان السيطرة على الآثار السلبية للظروف الحالية والتي تؤثر على بعض أنماط الشخصية:
- يمكن لأدوات عقد المؤتمرات مثل “سكايب” و”زووم” أن تساعد في الاتصال الشخصي المنتظم وتسهيل اللقاءات عن بُعد مع الشخصيات المنفتحة
- من المهم أن نتذكر أن التباعد الاجتماعي لا يعني الانفصال الاجتماعي؛ ويمكن لاستخدام أدوات مجانية مثل “هانجاوتس” أو حتى “واتساب” الحفاظ على الاتصال مع مجموعة الموظفين الحدسيين والاستفادة من أفكارهم البديهية والإبداعية مع تزويدهم بمعلومات دقيقة ومثبتة.
- يمكن تقوية الاتصالات بين الموظفين والإدارة العليا من خلال النشرات الإخبارية اليومية للقيادة، وبرامج الدردشة والأسئلة المفتوحة، وما إلى ذلك، وذلك للسماح لكل موظف بالإفصاح عن قراراته عبر المؤسسة. يستفيد كل من أصحاب الشخصية المفكرة وتلك الشعورية من ذلك.
- لجعل كلا من الأشخاص الحُكميين والأشخاص الإدراكيين يشعران بالراحة خلال فترة العمل عن بُعد، يجب على الشركات تحقيق التوازن بين المرونة والنظام. لذا ينبغي اتخاذ خطوات بسيطة مثل تحديد والاتفاق على ساعات العمل، والتي لا يُنصح بعدها بإجراء أية اتصالات ذات صلة بالعمل، واستخدام إحدى أدوات جدولة القوى العاملة التي تساعد في تكييف تدفق المهام وفقًا لتفضيلات نمطي الشخصية مثل أداة “هيومانيتي”.
في حين أن الإنتاجية تعتبر أولوية قصوى بالنسبة للمؤسسات، إلا أن رفاهة الموظف يجب أن تحتل مركز الصدارة في أوقات الأزمات، فعلى الرغم من أن التباعد الاجتماعي والعمل من المنزل يساعدان في الحفاظ على الصحة البدنية للموظفين إلا أن تصميم سياسات العمل عن بُعد لأنواع الشخصيات المختلفة يعتبر أمراً بالغ الأهمية لصحتهم العقلية. من المهم أيضًا عدم المبالغة في الضغط على الأداء بشكل مبالغ فيه، فالموظفون يحاولون بالفعل الموازنة بين التزاماتهم الشخصية والمهنية في ظل غياب نظام الدعم المعتاد. لذا فإن ترك هامش للخطأ أو الفقدان الهامشي للإنتاجية أمر ضروري للغاية إذ يزيل الشعور بالضغط ويسمح لأنماط الشخصية المختلفة بالاستمتاع بفوائد العمل عن بعد، الأمر الذي يساهم بشكل فعال في نمو المؤسسات حتى في ظل هذه الفترة الصعبة.
اترككم في رعاية الله