دكتور/ محمد سيد أبو نار
الخبير الاقتصادي والمصرفي – دكتوراة في الاقتصاد ومدير بأحد البنوك
أصبح مفهوم التنمية المستدامة من المفاهيم التي طفت علي السطح في القرن الماضي، إذ ظهرت التنمية المستدامة أول ما ظهرت في مؤتمر ستوكهولم بالسويد عن البيئة الانسانية، والذي أسس أيضا برنامج الامم المتحدة للبيئة وكذلك مؤتمر ريو دي جانيرو بالأرجنتين عام 1992، حيث ركزت المؤتمرات السابقة علي ربط فكرة التنمية بالبيئة، ولقد حدد تصريح ريو دي جانيرو والذي صدر عن المؤتمر حقوق والتزامات الدول في سعيها نحو تحقيق التنمية المستدامة عن طريق التضامن الدولي.
أما الانجاز الاكبر في هذا السياق فقد ظهر مع وضع الامم المتحدة أهداف التنمية الثمانية للألفية الجديدة بناءاً علي القرار رقم 55/2، والذي هدف الي محاربة الفقر والترويج للتنمية المستدامة.
وعلي الرغم من تعدد التعريفات الخاصة بمفهوم التنمية المستدامة، فقد جاء التعريف الاكثر اتفاقاً عليه بين جمهرة الباحثين (والذي حاول الربط بين التنمية الاقتصادية من ناحية والتنمية الاجتماعية والبيئية من ناحية اخري)، وهو “التنمية التي تقابل احتياجات الجيل الحالي دون التضحية بقدرة الاجيال القادمة لمقابلة احتياجاتها”، ولتحقيق التنمية المستدامة فإن لها ثلاثة ابعاد اساسية لا تتحقق التنمية بدونها، وهى:-
- البعد الاقتصادي: وهو يعتمد بالأساس على محاربة الفقر، (ويعتبر الشمول المالي احد الادوات الهامة لتحقيق التنمية الاقتصادية).
- البعد الاجتماعي: المشاركة الفعالة للمرأة والمساواة والتمكين لها، وتحسين التعليم والحوكمة الجيدة.
- البعد البيئي: منع التدهور البيئي ونماذج التنمية غير المستدامة.
ويتم تحقيق التنمية المستدامة على المستوي المحلي والوطني، إضافة للتنسيق على المستوي الاقليمي والدولي، وكذلك الاقتصاد الاخضر والشمول المالي وغيرهم من الاستراتيجيات الهامة نحو تحقيق التنمية المستدامة.
إن التنمية المستدامة التي قد تبلورت مع أهداف الالفية الجديدة من خلال سبعة عشر هدفاً، كالتالي:
أما عن مصطلح الاقتصاد الأخضر فهو من المصطلحات الجديدة التي ظهرت علي الساحة خلال السنوات الماضية، ولقد ظهر جليا في كلمات رؤساء الدول والحكومات ووزراء المالية بمجموعة العشرين الاقتصادية، ونوقشت فكرة الاقتصاد الاخضر في سياق التنمية المستدامة وتقليل الفقر.
ولقد عرف برنامج الأمم المتحدة للبيئة الاقتصاد الأخضر بأنه ” ذلك الذي ينشأ مع تحسن الوجود الانساني والعدالة الاجتماعية عن طريق تخفيض المخاطر البيئية، أما تعريفه البسيط فإنه “الاقتصاد الذي يوجد به نسبة صغيرة من الكربون، ويتم فيه استخدام الموارد بكفاءة مع تحقيق الاحتواء الاجتماعي”. من هنا يأتي النمو في الدخل والتوظف من خلال الاستثمارات العامة والخاصة، والتي من شأنها تقليل انبعاثات الكربون والتلوث، ودعم كفاءة استخدام الموارد والطاقة، والحيلولة دون خسارة التنوع البيولوجي، وهذا لا يتحقق الا من خلال إصلاح السياسات والتشريعات المنظمة لذلك.
وفي أحد المقالات السابقة عن الاقتصاد الاخضر، تحديدا عام 2012، ذكرت أن فكرة الاقتصاد الاخضر لا تحل محل مفهوم التنمية المستدامة، غير أنه نتيجة الاقتناع المتزايد بأن تحقيق التنمية لن يتحقق الا عن طريق الترويج لاقتصاد صديق للبيئة، ذلك طبعا بعد عقود طويلة من تدمير البيئة عن طريق الاقتصاد البني (وهذا المصطلح يشير للاقتصاد ملوث للبيئة)، ومن ثم لن يكون بمقدورنا تحقيق التنمية للألفية الجديدة دون تحقيق الاستدامة التي تراعي الجوانب البيئية.
ويمكن الاستفادة من الاقتصاد الاخضر في الدول النامية من خلال:-
- الزراعة والتي تركز على المساحات الصغيرة التي من الممكن ان تخفض الفقر والاستثمار في الطبيعة التي يعتمد عليها الفقراء كالمحميات والمصايد السمكية والصيد وغيرها.
- زيادة الاستثمارات في الاصول الطبيعية التي يستخدمها الفقراء في حياتهم اليومية.
- الاعتماد على الطاقة المتجددة والنظيفة لأنها تساعد على حل مشكلة فقر الطاقة.
- الترويج للسياحة وتكنولوجيا المعلومات وغيرها من الانشطة الاقتصادية غير الملوثة للبيئة، لأنها تعتمد علي دعم الاقتصاد المحلي وحل مشكلة الفقر.
ومن هنا، نشأت فكرة صناديق الاستثمار الخضراء، وهي ادوات استثمارية تستثمر فقط في الشركات التي تعتبر واعية اجتماعيا في تعاملاتها التجارية والتي تعزز المسئولية البيئية بشكل مباشر في الاعمال الداعمة للبيئة مثل الطاقة البديلة كالطاقة الشمسية والنقل الاخضر وادارة المياه والنفايات والمياه المستدامة.
وهناك كذلك السندات الخضراء أو سندات المناخ والتي ظهرت عالمياً في سياق المساعي الدولية للانتقال الي اقتصاديات اكثر رفقاً بالبيئة، وتعد ادوات تمويل مشروطة باحترام المعايير البيئية والتي تهدف الي استعمال الطاقة النظيفة والتخفيف من العوامل التي تساهم في ارتفاع درجة حرارة الارض ودعم مجهودات التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من أثارها، علماً بأن الاصدار الاول للسندات الخضراء جاء عام 2007 طرف البنك الاوربي للاستثمار بقيمة 600 مليون يورو، ليتسارع بعد ذلك هذا النوع من السندات من طرف المؤسسات الحكومية وامتد الي القطاع الخاص مع تزايد الوعي بمخاطر التغيرات المناخية.
وتعمل الحكومة المصرية علي تشجيع نظام اقتصادي مستدام، حيث أن هناك حراك واضح في هذا المجال لا يمكن اغفاله، ويجب ترصده وتنميته، وذلك بالتزامن مع استراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030” التي تبنتها وزارة التخطيط، وقد تم العمل بهذه الاستراتيجية بدءاً من يناير 2016، حيث تتضمن اثني عشر محوراً واهمها التنمية الاقتصادية والثقافية وكفاءة المؤسسات الحكومية.
وفي النهاية، فإن التحرك نحو الاقتصاد الأخضر لديه القدرة علي تحقيق التنمية المستدامة ومحاربة الفقر علي نطاق واسع، وان الاقتصاد الاخضر يمكنه تحقيق النمو والتوظف مثل الاقتصاد البني، على أنه يحقق مالا يحققه الاقتصاد الملوث للبيئة من اهتمام بالجوانب البيئية والاجتماعية.