على مدار سنتين متتاليتين الاقتصاد المصري يصمد أمام فيروس كورونا المستجد

بقلم: سارة ناصح – باحث اقتصادي

بدأ فيروس كورونا المستجد في الانتشار من مدينة “ووهان” الصينية في أواخر عام 2019 ، وأخذ في التفشي في كل بلدان العالم ، الأمر الذي جعل منظمة الصحة العالمية تُنصف هذا الفيروس بـ”الجائحة” في مارس 2020، وحتى وقت كتابة هذا المقال قد أصاب هذا الفيروس ما يقرب من 405 مليون نسمة حول العالم ، وتسبب في وفاة ما يقرب من 5.63 مليون نسمة.

وقد أجبرت “كورونا” الحكومات على اتخاذ إجراءات وقرارات استثنائية حتى تتمكن من مواجهة هذا الوباء الضخم، ومن أهمها :-

قرار الإغلاق المؤقت و حظر تجوال الأفراد في الساعات الأخيرة من النهار لتقلل من انتشار  هذا الوباء، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وإعاقة التبادل التجاري بين الدول، وقد ترتب على ذلك انخفاض الطلب العالمي على السلع والخدمات، بالإضافة إلى انخفاض المعروض من السلع والخدمات؛ بسبب وجود خلل في القوة العاملة إما نتيجة لإصابة العاملين بالفيروس، أو  إجازتهم لرعاية ذويهم المصابين بالفيروس، لذا توقع  تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي” الصادر عن صندوق النقد الدولي، أن ينخفض النمو الاقتصادي العالمي ليسجل 4,4% في عام  2022 مقابل من 5,9% في عام  2021 .

وأمام قرارات الإغلاق التي اتخذتها الحكومة لحماية المواطنين، لم يقف الاقتصاد المصري مكتوف الأيدي بل اتخذ خطوات جادة وسريعة نحو دعم الإنتاج المحلي حتى يتم توفير السلع والخدمات الأساسية للمواطنين، كما قدمت الحكومة والبنك المركزي المصري كافة أنواع الدعم للاقتصاد الرقمي والذي يُعرف بأنه التحول إلى استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، والاستخدام الأكثر كفاءة للبيانات فى مختلف الأنشطة الاقتصادية، وإجراء عمليات مالية ومصرفية بطرق أسرع وأكثر دقة سهولة، بما يسمح بتدفق المعلومات والأموال بين دول العالم في ظل الإغلاق الذي يُفرض أثناء تفشي كورونا، وفيما يلي استعراض لما قامت به الدولة المصرية في هذا الصدد:

أولًا – دعم الاقتصاد المحلي:

أطلقت الحكومة عدة مبادرات لدعم الاقتصاد المصري، ومن أهمها المبادرة الرئاسية التي تم إطلاقها في 26 يوليو 2020، وذلك بمشاركة البنك المركزي المصري،وشركات تمويل المستهلكين، واتحاد الصناعات والغرف التجارية، وشركة e-finance، ومن خلالها تقوم وزارة المالية بإتاحة دعم مادي لكل فرد بالبطاقات التموينية، وذلك لمدة ثلاثة أشهر قابله للتجديد مرة أخرى، وتهدف تلك المبادرة إلى دعم المنتج المحلي وتشجيع الاستهلاك، و أدت تلك المبادرة إلى رفع معدل نمو الإنفاق الاستهلاكي، وتخفيف الأعباء عن المواطنين، الأمر الذي عمل على انتعاش السوق المحلي مرة أخرى، وزيادة خطوط الإنتاج داخل المصانع، وبالتالي زيادة معدلات التوظيف مما يسهم في تحريك عجلة الاقتصاد ككل.

منذ اللحظة الأولى لانتشار فيروس كورونا المستجد اتخذ البنك المركزي عددًا من الإجراءات والقرارات التي تهدف إلى حماية المؤسسات الفردية والشركات الصغيرة والمتوسطة من الآثار السلبية الناجمة عن الجائحة وضمان استمرار عجلة الإنتاج، لذا قام المركزي بتمديد مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة لمدة 4 سنوات جديدة، وزيادة قيمتها لأكثر من 360 مليار جنيه قابلة للزيادة.

 كما قام المركزي بتأجيل كافة الاستحقاقات الائتمانية للمؤسسات والأفراد لمدة 6 أشهر مع عدم تطبيق عوائد وغرامات إضافية على التأخير في السداد.كما فعل دور شركة ضمان مخاطر الائتمان في مبادرات دعم قطاع السياحة والزراعة والمقاولات؛ لتوسيع نطاق تلك الشركات لضمان مخاطر الائتمان ليشمل أيضاً ضمان الشركات الكبرى، بالإضافة إلى ضمان الشركات الصغيرة والمتوسطة، ودخول البنك المركزي كمساهم في الشركة بنسبة 20%.

ثانيًا- تعزيز ممارسات الاقتصاد الرقمي:

توسعت الحكومة المصرية في تطبيق أليات الشمول المالي؛ لجذب أكبر عدد من المواطنين إلى القطاع المصرفي الرسمي المصري وإتاحة الخدمات المصرفية الإلكترونية للجميع، لذا أصدرت قرارا بتحصيل المستحقات الحكومية كضرائب والجمارك عن طريق آليات الكترونية وذلك للمبالغ التي تزيد عن 500 جم (خمسمائة جنيه مصري)، ويتم ذلك عن طريق قيام البنوك الوطنية بإصدار كارت مدفوع مقدمًا يُطلق عليه “ميزة” ، ويعمل هذا الكارت بشكل كامل على جميع نقاط البيع وأجهزة الصراف الآلى فى مصر. 

ويمكن استخدام بطاقات “ميزة” من خلال أي ماكينة صراف آلى داخل جمهورية مصر العربية، ويستطيع المواطنون من خلال استخدامهم لتلك البطاقة التحكم فى مصروفاتهم الشهرية ومراجعتها بسهولة ويسر، وفيما يخص خدمة الإيداع يمكن للعملاء الإيداع عن طريق ماكينات الصراف الآلي التي تحتوي على خاصية الإيداع أو عن طريق أحد فروع البنوك، ويستهدف البنك المركزي المصري الوصول بعدد البطاقات المصدرة من خلال منظومة الدفع الوطنية “ميزة” إلى 25 مليون بطاقة خلال عام 2022، مقارنة مع 20 مليون بطاقة مصدرة حتى الآن.

كما أنجزت وزارة المالية المرحلة التجريبية لتحويل البطاقات الحكومية الإلكترونية لصرف مستحقات العاملين بالدولة إلى بطاقات الدفع الوطنية المطورة في 2020، ومن المتوقع أن يتم تحويل كافة البطاقات الحكومية الإلكترونية لصرف مستحقات العاملين بالدولة إلى بطاقات ميزة وذلك خلال عام 2022، ليكون قد تم الانتهاء من تحويل نحو 4.3 مليون بطاقة حكومية إلكترونية لصرف مستحقات العاملين بالدولة إلى بطاقات “ميزة” أي مزيد من الأفراد تحت مظلة الاقتصاد الرقمي الرسمي.

وقد قامت الدولة المصرية باستكمال المشروعات التي تخدم استراتيجية التحول الرقمي في جميع القطاعات من خلال العمل على ثلاثة محاور، أولاً تطوير خدمات المواطنين، وثانيًا دعم ومساندة الوزارات في ميكنة أعمالها، و ثالثًا تطوير أداء الحكومة، حيث تم الانتهاء من إطلاق 99 خدمة على أربعة مراحل بدءاً من أغسطس 2020، كما تم إطلاق واحد وعشرين خدمة إضافية خلال عام 2021، مما يعمل على تعزيز  بنية التحول الرقمي في مصر.

ثالثًا- تخصيص الدولة لحزمة مالية لمواجهة التداعيات السلبية للجائحة:

خصصت الحكومة 100 مليار جنيه مصري من الموازنة العامة، بالإضافة إلى اتباعها سياسات نقدية للحد من الآثار السلبية على القطاعات الأكثر ضررًا لمواجهة الأزمة، وقد تم إنفاق هذه الحزمة المالية على إجراءات تنظيمية للحد من انتشار الجائحة ومجموعة أخرى من الإجراءات للدعم النقدي لمجالات محددة خاصة في الصحة والحماية الاجتماعية والقطاع السياحي الذي عانى كثيرًا بسبب الاغلاق الذي سببه انتشار هذا الفيروس.

كما قامت الحكومة بزيادة المعاشات بنسبة 14%، وكذلك اطلقت مبادرة لدعم العمال غير النظاميين فى القطاعات الأكثر تضررًا الذى شمل  1.6 مليون مستفيد، بالإضافة إلى زيادة مخصصات التأمين الصحى والأدوية وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة لتصل تكلفتها إلى 10.7 مليار جنيه، كما قامت الدولة المصرية بصرف منحة استثنائية للعمالة غير المنتظمة المستفيدة والمسجلة بقواعد بيانات مديريات القوى العاملة بالمحافظات، قدرها 500 جنيه شهريًا من خلال مكاتب البريد لعدد 120 ألف عامل.

رابعًا -التوسع في برنامج الحماية الاجتماعية “تكافل وكرامة”:

ويهدف إلى تخفيف كاهل المعاناة على  المواطنين ، حيث ينقسم البرنامج إلى جزئين: الأول، “تكافل” وهو عبارة عن تحويلات نقدية مشروطة تقدمها وزارة التضامن الاجتماعي؛ لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجًا، وذلك عن طريق الاستهداف الموضوعي للأسر التي لديها مؤشرات اقتصادية واجتماعية منخفضة تحول دون إشباع احتياجاتها الأساسية وكفالة حقوق أطفالها الصحية والتعليمية، أما الجزء الثاني هو برنامج “كرامة” الذي يقدم مساعدات نقدية غير مشروطة ومستمرة للأفراد الأكبر من 65 عام وتُعانى من الفقر الشديد ولا يمتلكون معاش ثابت أو من لديهم عجز كلى أو إعاقة كاملة.

وبعد انتشار فيروس كورونا المستجد في مصر بداية عام 2020،  قد تضمن هذا البرنامج عددًا من الإجراءات منها إضافة حوالى 411,000 أسرة لبرنامج تكافل وكرامة، وحتى 14 يناير 2022 وصل عدد المستفيدين من برنامج تكافل وكرامة إلى 3.8 مليون أسرة بإجمالي 14 مليون مواطن، بتكلفة تصل إلى 1.6 مليار جنيه شهريًا و20 مليار جنيه سنويًا.

و قد انعكست الجهود و القرارات الاستثائية سالفه الذكر على  الاقتصاد المصري الذي أثبت المصري قوته وصلابته وقدرته على تحمل الصدمات، ففي ظل انتشار جائحة كورونا استطاع تحقيق معدلات نمو إيجابية بلغت 3.6% خلال العام المالي 2019/2020، و3.3% خلال العام المالي 2020/2021، وتعد مصر من الدول القلائل التي حققت معدلات نمو إيجابية، كما بلغ أكبر معدل نمو له في تاريخه 9.8% خلال الربع الثالث من عام 2021، وهو الأعلى منذ بداية السلسلة الربع سنوية للناتج المحلي الإجمالي في العام المالي 2001/2002.

 كما استمرت البطالة في تحقيق مستويات منخفضة لمعدلاتها للعام الثاني على التوالي خلال الجائحة حيث سجلت 7.5% في الربع الثالث عام 2021، و7.3% في الربع ذاته عام 2020، وعن مستوي التضخم استقر عند معدله السنوي ضمن مستهدفات البنك المركزي (2% ±) 7%، حيث بلغ 5.2% عام 2021 مقارنة بـ 5% عام 2020، وبلغت نسبة مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الناتج المحلي الإجمالي 3.5% خلال الربع الأول من عام 2021/2022، مقابل 3.3 % خلال الربع الأول من عام 2020/2021 ، وذلك نتيجة لجهود الدولة الحثيثة في تعزيز ممارسات الاقتصاد الرقمي.

لذا فقد أشادت العديد من المنظمات بالإجراءات والقرارات الاستثنائية التي اتخذتها الحكومة والبنك المركزي والتي ساعدت على تخفيف الأثر الصحي والاجتماعي والاقتصادى السلبي للجائحة، بالتزامن مع توفير سبل الحماية الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي وجذب ثقة المستثمرين، وفي هذا السياق أكد البنك الدولي أن الاقتصاد المصري يواصل إظهار قدرته على الصمود لأكثر من عام ونصف أمام تحديات تفشى فيروس كورونا المستجد ، وعلى الجانب الأخر قد ثبتت “فيتش” و “موديز” التصنيف الائتماني لمصر عند مستوى + B بنظرة مستقبلية مستقرة، وذلك بدعم من الإصلاحات المالية والاقتصادية المستمرة من قبل الدولة المصرية، ومرونة الاقتصاد المصري خلال أزمة كورونا العالمية .

ختامًا، استطاع الاقتصاد المصري أن يثبت قدرته على التعافي من أزمة كورونا، حيث تمكن من تحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي من خلال سياسات استندت على أسس قوية وأبعاد استراتيجية واجتماعية، الأمر الذي ساعد على استدامة تحسن المؤشرات الاقتصادية الكلية مما أدى إلى تعزيز الثقة في المسار المتبع من جانب الدولة المصرية لدى المواطنين والمؤسسات الاقتصادية العالمية، لذا فمن المتوقع أن يستمر الاقتصاد المصري في تحقيق معدلات نمو مرتفعة.

شاهد أيضاً

التحول إلي الإقتصاد الرقمي

الدكتور/ عبد الوهاب غنيم نائب رئيس الإتحاد العربي للإقتصاد الرقمي مستشار تطوير الأعمال كلية كامبردج …