
منذ نهاية عام 2019, ظهر فيروس كوفيد -19 في مدينة وهان الصينية، وحتى يومنا هذا تعاني دول العالم من هذه الجائحة على المستوي الصحي والاقتصادي. وبالرغم من الاضمحلال النسبي لهذا الفيروس، الا ان اثاره على الاقتصاد المحلي والدولي جسيمه وستستمر في المستقبل القريب والبعيد حسب قدرات الدول على التعامل معها.
لقد سببت جائحة كوفيد- 19 العديد من التداعيات السلبية على النشاط الاقتصادي العالمي والمصري، والتي من المتوقع ان تدفع بالاقتصاد العالمي الي اسوء معدلاته منذ ازمة 1929 ويمكن ان تكون “الاسواء في التاريخ”. ولايزال هناك حالة من عدم اليقين حول مدي قوة التأثيرات السلبية على الاقتصاد، فالتداعيات الاقتصادية تعتمد على عوامل مرتبطة يصعب التنبؤ بها.
ورغم قدرة الاقتصاد المصري علي التصدي لتداعيات الازمة الراهنة حتى الان، الا انه من التوقع ان يشهد هذا التقدم الملحوظ تباطؤ فيما يخص بعض القطاعات الي أثرت عليها الازمة بشكل مباشر، وأهمها القطاعات التي قد تؤدي الي خلل في مصادر الدخل الأجنبي.
وتأتي هذه المقالة لاستعراض بعض توقعات التقارير العالمية والمحلية لتداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي وانعكاساته على الاقتصاد المصري. (تقرير مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار 2020 وتقرير صندوق النقد الدولي حول مستجدات أفاق الاقتصاد العالمي)،
وفقا لأحدث تقارير صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يتعرض النمو العالمي لانكماش بحوالي 4.9 % في عام 2020، بانخفاض قدره 1.9 نقطة مئوية عما تنبأ به عدد إبريل 2020 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي. وقد كان تأثير جائحة كوفيد-19 على النشاط الاقتصادي في النصف الأول من عام 2020 أكثر سلبا من الحد المنتظر، ومن المتوقع أن يكون التعافي أكثر تسلسلا مما أشارت إليه التوقعات السابقة. أما بالنسبة لعام 2021، فمن المتوقع أن يبلغ النمو 5.4%. كما سيكون التأثير السلبي على الأسر منخفضة الدخل بالغ الشدة، مما يهدد التقدم الكبير الذي تحقق في الحد من الفقر على مستوى العالم منذ القرن الماضي.
ويلاحظ ان مصر هي الدولة الوحيدة في الاقتصادات النامية التي يتوقع ان تحقق معدل نمو موجب خلال عام 2020 يقدر بنحو 2 %، مع توقع حدوث تراجع قدره 0.7 % لكل شهر تستمر فيه الازمة.
ففي معظم حالات الركود، يلجأ المستهلكون إلى مدخراتهم أو يعتمدون على شبكات الأمان الاجتماعي والدعم العائلي لتخفيف تقلبات الإنفاق، ويكون الاستهلاك أقل تأثر نسبيا مقارنا بالاستثمار. ولكن الاستهلاك والاستثمار هبط بشكل ملحوظ هذه المرة وذلك انعكاسا لمجموعة من العوامل الفعالة: التباعد، والإغلاق العام للحد من انتقال العدوى، وخسائر الدخل وتدهور ثقة المستهلكين. وكذلك خفضت الشركات استثماراتها حين واجهت انخفاضات حادة في الطلب، وانقطاعات في التموينات، وعدم استقرار الدخل المستقبلي. وبالتالي، توجد ازمة في نطاق الطلب الكلي.
وكنتيجة الي هبوط الطلب الكلي، انخفض معدل التضخم على مستوي العالم ليسجل 3% عام 2020، مقابل 3.6 % عام 2019. ومن المترقب انخفاض معدل التضخم في مصر عام 2020 ليسجل 5.9% مقابل 13.9% عام 2019، وهذا يعتبر معدل تراجع أكبر من المعدل العالمي. ولقد انخفض معدل التضخم نتيجة لتوقع انخفاض معدل الإنفاق الاستهلاكي وخاصة السلع الغير ضرورية، فالتقديرات تشير الي انخفاض إنفاق الاسر في المتوسط بين 153 جنيه مصري و180 جنيها مصريا للفرد في الشهر.
أما بالنسبة لمعدلات البطالة تعتبر أحد اهم المقاييس التي تساعد على تقدير مدي خطورة الازمات الاقتصادية حيث ان ارتفاع معدل البطالة هو النتيجة الفورية لخفض معدلات الاستثمار الخاص في الاقتصاد والذي يؤدي الي انخفاض الإنتاج وتعطل عجلة الاقتصاد، لذلك فان معدل البطالة هو أحد اهم المعدلات في دراسة الازمات الاقتصادية. وقد أدي انتشار فيروس كورونا اضطرابات في سوق العمل العالمي والمحلي. فعلي المستوي العالمي من المتوقع في الربع الثاني من عام 2020 فقدان أكثر من 300 مليون وظيفة. ففي عام 2020، وصل معدل البطالة في مصر الي 10.3%، فمن المتوقع فقدان 1.6 مليون فرد في القطاع الغير رسمي لوظائفهم بحلول الربع الثالث من عام 2020. ويجب التنويه انه انتقل 12 % تحت خط الفقر في مصر عام 2020. وكانت الضربة التي تلقتها سوق العمل بالغة الحدة بالنسبة للعمال محدودي المهارات الذين لا يملكون خيار العمل من المنزل. ويبدو أيضا أن خسائر الدخل لم تكن متساوية فيما بين الجنسين، حيث تحملت النساء في الفئات الأقل دخلاً جانبا أكبر من تأثير الجائحة في بعض البلدان.
وفيما يخص السياحة، فتعتبر أكثر القطاعات التي لحق بها أضرار جسيمة وذلك يرجع الي الإجراءات الاحترازية وعدم التنقل للوقاية من الجائحة. وفقاً لأحدث توقعات منظمة السياحة العالمية، من المتوقع انخفاض عدد السياح عالمياً بحوالي 97 % لعام 2020، مما سيؤدي لخسائر في هذا القطاع بحولي 195 مليار دولار. كما تعرضت حوالي 120 مليون وظيفة على مستوي العالم في قطاع السياحة للخطر خلال 2020.
اما بالنسبة لمصر، فلقد تم إلغاء من 70 الي 80% من الحجوزات بالفنادق نتيجة لتقييد السفر الدولي والسياحة المحلية، مما أسفر عنه خسارة كبيرة. ومن المتوقع انخفاض عوائد السياحة في مصر بنحو 63.8% عام 2020 نتيجة إخفاض عدد السياح الوافدين لمصر بحوالي 60.5%، وفقا لتقرير مؤسسة فيتش (يونيو 2020).
وفيما يتعلق بالتجارة العالمية فقد انكمشت التجارة بما يقارب 3.5% انعكاسا لضعف الطلب، وانهيار السياحة العابرة للحدود، واضطرابات الإمدادات المتعلقة بالإغلاقات العامة. ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي، ستعاني التجارة العالمية من انكماش عميق هذا العام يبلغ حوالي 11.9% انعكاسا للتراجع الكبير في الطلب على السلع والخدمات، بما في ذلك السياحة. وتماشيا مع التحسن التدريجي في الطلب المحلي في العام القادم، من المتوقع أن ير تفع النمو إلى حوالي 8%.
أما بالنسبة لمصر، فقد انخفضت واردات مصر الغير بترولية بنسبة 24% بين يناير وابريل، وهي علامة مبشرة بانخفاض اعتماد مصر على الواردات المختلفة والتوجه الي الاكتفاء الذاتي وتشجيع الصناعات المحلية في المستقبل.
بالإضافة الي انخفاض الواردات، فنري ان صادرات مصر البترولية وغير البترولية زادت بنسبة 2% ولكن بمعدلات متفاوتة بين السلع المختلفة. حظيت صادرات مواد البناء باعلي نصيب في هذه الزيادة، متبوعة بالسلع الكيماوية والاسمدة، الأغذية، المحاصيل الزراعية واخيرا الأدوات الإلكترونية. يتضح ان ازمة الكورونا اثرت بالإيجاب على تجارة جمهورية مصر العربية مع العالم، وكانت هذه الاثار الإيجابية بفضل الجهود المبذولة غي إعادة هيكلة الاقتصاد منذ 2016. في الاجمال، يمكننا ان نقول ان جائحة الكورونا اثرت بالسلب على الاقتصاد المصري ولكن جهود الدولة السابقة وحسن تعاملها مع الازمة على المدة القصير ادي الي تقليل الخسائر الي اقل خسائر ممكنة.
وبرغم الصدمات التي تعرض لهل الاقتصاد المصري نتيجة لفيروس كورونا، إلا ان توقعات وكالة موديز للتصنيف الائتماني ثبتت تصنيف مصر عند B2 مع نظرة مستقبلية مستقرة، وذلك يرجع الي الإصلاحات الاقتصادية والمالية والنقدية التي نفذتها الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة.
ان العالم يمر بمنعطف تاريخي وأزمة نادرة الحدوث، والتهاون في هذه الازمة قد يؤدي الي تأخر الاقتصادات العالمية والمحلية مئات السنين. وللخروج من هذه الازمة، يجب ان تتكاتف دول العالم لتطوير المنظمات الاقتصادية الدولية القائمة لكي تساند وتنشط مرحلة إعادة البناء والهيكلة ما بعد الازمة.
منة الله محمود إبراهيم- باحث بالمعهد المصرفي المصري